للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حنان بالوقوف. وبينما هو يودعها وقع نظره على منزلها فثبتت عيناه في محجرهما وتملكه فزع شديد؛ فصاح بصوت قلق يكاد يسمع:

- أنت. . . تسكنين هنا؟

فأجابت حنان وقد راعها حاله:

نعم! ولكن ماذا بك؟ هل رأيت شبحاً؟

ولم يجب حازم وانطلق إلى مسكنه بأقصى سرعة. كان همه الأول أن يبتعد عن هذا المنزل ولكن صورته باتت تلازمه وتزيد في عذابه. فكان يهمس: رحماك يا إلهي. فما أقسى العقاب!

كان منزل صديقه أحمد، فكانت حنان إذاً زوج صديقه. . . وكان أحمد لا يجتمع بأصدقائه كثيراً لشغفه بالعلم وانقطاعه له، ولكنهم كانوا يكنون له الحب والاحترام لدماثة خلقه وكرم طباعه. وهذا هو حازم، يا لقسوة القدر، يكتشف أنه كان يخون صديقه فينقض عهد الصداقة. كأن يخونه في عرضه. والعرض كيف يلائم صدعه. . . آه. لو استمع إلى صوت عقله!

كان حازم يفكر في ذلك فيحز الألم في نفسه. كانت الصدمة عنيفة أودت بكل عاطفة أثارها الحب. فما وجد لفعله عذراً ولا لضميره رداً. وساد ضميره وقام يؤنبه بعنف ويلاحقه بشدة، ونفسه قد خلت من كل توازن يقيه شر الاختلال. كان صوت الضمير يتبعه وصورة صديقه لا تفارقه؛ فلم يستطع البقاء في مكانه وخرج يهيم على وجهه في الطرقات. ولكن الصوت كان يطارده فيعدوا المسكين هرباً منه، فيملأ أذنيه، فيسرع في الجري حتى يصرعه التعب، فلا يلبث طويلاً حتى يبدو له وجه صديقه يشخص إليه في حزن وأسف، فيعود إلى الجري ليسقط مرة بعد مرة حتى خر على الأرض مغشياً عليه.

وأشرقت الشمس وقامت الطيور تعلن قدوم الصباح ودبت الحياة في السكون، ووقف الشرطي يتأمل جسماً طريحاً وانحنى يهزه ليتبين أمره؛ فانتفض النائم وجلس لحظة ورأسه بين يديه، ثم نظر إلى الجندي المستفهم نظرة بلهاء ولم يلبث أن نهض مسرعاً وهو يهمهم بكلام لا يفهم.

إنه كان حازماً الرقيق. صرعته الصدمة فأختل عقله، وأصبح يكفر عن خطيئته. كان ملكاً

<<  <  ج:
ص:  >  >>