للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وجمالاً مبهماً ليس على الأرض ولا في السماء، جمالاً يتصوره الشاعر في مخيلته ويعبده في خلوته كلما تردد عليه وتراءى له. وكان حازم مضطجعاً إلى جانبها يقلب الطرف في جمالها وقد سلبته الفتنة كل إرادة، وأثار الوجد كل حواسه. وتحولت حنان بنظرها إليه فتلاقت عيناهما وشخص بصراهما، وكان ينبعث منهما بريق ساطع متدفق لم يلبث أن هدأ ورق. وقد همس يقطعه الهيام امتزج اسماهما: حازم! حنان! والتقت شفتاهما في قبلة حارة طويلة. كانت عواطفهما كحمم البركان تصعد من الأعماق متراخية ملتهبة ثم تفيض فتنحدر بشدة كاسحة. وفي ذلك الوقت اختفى القمر وراء سحابة كثيفة كبيرة. وفي تلك اللحظة التي ينسى الإنسان كل شيء غير أن الطبيعة حبته بقوة عاطفية جامحة، في تلك اللحظة التي تطغى فيها حرارة القلب على قدرة العقل، وفي تلك اللحظة لبيا نداء الجسد. إنهما في جسد، والجسد ضعيف والهوى غلاب، فكيف يعدمان الشهوة؟ كان عقلهما في يقظتهما راجحاً؛ ولكن الطبيعة خدرت ذلك الحارس، فتنفست الشهوة المكبوتة، وكانت تعمل فيهما خفية والعقل يحجبها، فجلاها حتى نمت واشتدت فتحركت وغلبت.

وظهر القمر ومر أحد العسس يقرع بنعليه الطريق، فاستيقظ العاشقان من حلمهما اللذيذ وتبينا أمرهما مضطربين: وما أقسى أن ينقلب المرء من حال إلى آخر بلا انتقال. فاستولى عليهما الوجوم والحيرة، وفرق الخجل بينهما لحظة طويلة قطعها حازم بعد جهد بقوله:

- إن الليل قد تقدم، فدعيني أصحبك إلى منزلك.

ولم تجب حنان بغير نظرة مبهمة، وقامت تخطو وئيدا إلى السيارة، وأدار حازم المحرك وسأل:

- أين تسكنين؟

ولم يكن حازم يعرف حتى ذلك الوقت مسكن حنان إذ كانت بعد كل لقاء تفضل أن ترجع وحدها. وأجابت حنان:

- في الدقي، سأبين لك الطريق.

- ٤ -

واندفعت السيارة إلى منزل حنان. فكان حازم يشعر كلما توغل في السير أن الطريق مألوف. ولكن هذا الشعور لم يتعد طبقات نفسه الأولى فلم يلتفت إليه تماماً، حتى أشارت

<<  <  ج:
ص:  >  >>