أتراه يكون ذلك الشيخ الهم الذي طوى السنوات الطوال - وما زال يطويها - لا يدري من أمر خلقه شيئاً. . لا يعلم للحياة غاية إلا أن يعيش. . ويظل يعيش!
. . لا يعرف من هدف في الدنيا سوى أن يعمل على أن تمتد به الحياة. . ليظل يحيا. . لينسأ أجل الوفاة!
إنه ليتأدم بالخبز مختلطاً بالقذر؛ ويطعم شرائح اللحم ممزوجة بروث البهائم، ويكرع في الماء الآسن، حميماً ذائباً فيه الطين؛ وينام الليل الطويل على فراش من حصى وقش باسر! إن حياته لتطرد على هذه الصورة السنين تلو السنين. وهو على حاله من طلب البقاء والرغبة الملحة في الدوام!
أترى ذلك (الشيخ) يكون الساخر؟ أم يكون هذا (الفنان) الذي انصرف عن كل شيء إلا فنه. . ونظر إلى الكون على أنه مرسح تمثل عليه رواية، لا يهمه من أمرها شيء. . إلا بقدر ما تشبع حاسته الفنية وتروي. . .
إن كل ما في الكون، إنما يتخذ قِيَمه وخصائصه - عنده - بهذا الفن. . هذا الفن وحده!
وإن ناساً يعيشون في هذه الحياة، ولا يعرفون من أمر (هذا الفن) شيئاً، لهم - في نظره - والعدم سواء!
إنه ليلهو عن الحياة في واقعها، بتلك الحيوات الكثيرة المتنوعة. . وتلك العوالم العريضة الرائعة يفتقها خياله المفتن الصناع، الذي يجد معينه الدافق - دائماً - في عالم النفس الرحيب، وعالم الروح الطليق!
أترى الساخر يكون ذلك (الفنان). . أم تراه يكون هذا (الباحث) المنقب الذي سلخ جل حياته حبيس عقله الراصد للظواهر، المستكنه للعلائق المستورة الخفية، والخصائص الكامنة المطوية. . تتقلب به الدنيا، وتدور من حوله الأحداث، ويجلل الشيب رأسه يوماً بعد يوم. . . وهو لا يدري من أمر هذا كله شيئاً. . إلا هذا (الكل) الذي يعيش فيه. . . ويعيش من أجله ويأمل أن يمتد به العمر ليصل حلقة من حلقاته المفزعة!
أتراه يكون الساخر في هذي الحياة؟ أم يكونه هذا (الطفل) الغزير الذي لا يستشعر (الوجود) وجوداً إلا أن يرد ظواهره كلها إليه. . . إلى ذاته؛ ولا يحس (الحياة) حياة إلا أن