وقد كنا نرتاب بالخبر لولا أن ذاكره هو ابن طيفور، ولم يؤرخ المأمون أحد مثله.
ويؤيد ما ذكرناه من تكثير الخلفاء ألوان الطعام ما رواه
المسعودي، فقد ذكر أن الرشيد كان ينفق على طعامه في كل
يوم عشرة آلاف درهم. وأنه ربما أتخذ له الطباخون ثلاثين
لوناً من الطعام. وكان يتخذ للقاهر اثني عشر لوناً (آدم
متز١٢٤٧)
فلننظر الآن فيما كانوا يرحبون فيه.
نلاحظ أن أكثر ميل ملوك بني العباس كان إلى اللحوم، وخاصة لحوم الدجاج. يقول الجاحظ: وملوكنا وأهل العيش منا لا يرغبون في شيء من اللحمان رغبتهم في الدجاج. وهم يقدمونها على البط والنواهض والدراج، وعلى الجداء. . . وهم يأكلون الرواعي كما يأكلون المسمنات.
أما رغبتهم في الدجاج فذلك لأنه أكثر اللحوم تصرفاً. فهي تطيب شواء، ثم حاراً، وبارداً، ثم تطيب في البز ما ورد، وهو طعام من البيض واللحم، أو رقائق ملفوفة بلحم، ثم تطيب في الهرائس، وتطيب طبيخاً، وإن قطعتها مع اللحم دسم ذلك اللحم، وتصلح للحشاوى، وسمينها يقدم في السكباجة على البط.
وفي الشتاء كانوا يرغبون في الأطعمة الحارة المهيجة. فقد قال المأمون لأبي كامل الطباخ يوماً: اتخذ لنا رؤوس حملان تكون غداءنا غداً. ثم التفت إلى علي بن هشام، وكان حاضراً، فقال إن من آيين الرؤوس أن تؤكل في الشتاء خاصة، وإن يبكر آكلها عليها، وألا يخلط بها غيرها، ولا يستعمل بعقبها الماء.
وكان المأمون يميل أيضاً إلى لحم الغنم، وقد قال للحسن بن سهل يوماً: نظرت في اللذات فوجدتها كلها مملولة، سوى سبعة. قال الحسن: وما السبعة يا أمير المؤمنين؟ قال: خبز الحنطة، ولحم الغنم، والماء البارد. . وعد أربعة غيرها.
وقد يعجب بعضهم بالمملحات والممقورات. فقد خرج المقتدر يوماً إلى بستان الخلافة،