فطلب طعاماً، فلم يحضر طعامه، فقدم له، ملاح جونة مليحة من خيازر (ج خيزران) فيها جدي بارد، وسكباج مبرود، وبزماورد وأدام، وقطعة مالح ممقور، وأرغفة سميد جيدة. فاستنظفها وأكل منها، واستطاب المالح والادام، فكان أكثر أكله منه.
وعلى ذكر البزماورد، نقول أنه كان يسمى في العصر العباسي لقمة الخليفة، ولقمة القاضي، ونرجس المائدة. وهذه التسمية تدلنا على أن الخلفاء والقضاة كانوا يأكلونه ويحلون به موائدهم. وهذا البزماورد، كان يتخذ من اللحم والبيض في بغداد. ويذكر لنا الجاحظ أن أهل خراسان كانوا يعجبون باتخاذ البزماورد من فراخ الزنابير.
ويبدو أن اتخاذ البزماورد من فراخ الزنابير ليس بعجيب، فقد كان الفضل بن يحيى يوجه خدمه في طلب فراخ الزنابير ليأكلها، وفراخها ضرب من الذبان الكبار، كما يقول الجاحظ.
وكانوا يرغبون في السكباج، ويسمونه مخ الأطعمة وسيد المرق. ولقد تشكى خليفة يوماً لجارية له من هذا الطعام، فقال لها، إلى كم سكباج؟ قالت: هو مخ الأطعمة، لا يكره بارده ولا يمل حاره، بل يستطاب في الحضر، ويتزود منه في السفر، ولا يؤثر عليه الضيف في الشتاء والصيف.
وإلى جانب ما ذكرنا، كانو يعنون بالسكارج والبقول، ويقولون: لكل شيء حلية، وحلية الخوان السكرجات والبقول. ويقدرون الأرز حق قدره، ويقولون الأرز غذاء ضحيح.
وكانوا يأكلون ألسنة السمك، يعمدون إلى السمك فينزعون ألسنته ويأكلونها. ولقد دعا إبراهيم بن المهدي الرشيد مرة فأعد له طبقاً ألسنة السمك، وأنفق على صحفة صغيرة منه مبالغ طائلة.
أما السمك نفسه، فكانوا يأكلونه أيضاً، ويلاحظ أنه كان مرغوباً فيه من النصارى كثيراً، فكانوا يأكلونه أكلاً ذريعاً. ويحدثنا الجاحظ أنه لكثرة إقبالهم عليه كانوا يغلونه على الناس، حتى تتوخى أياماً بأعيانها فلا يشترى السمك إلا فيها طلباً للإمكان والاسترخاص وهي يوم الخميس، ويوم السبت، ويوم الثلاثاء.
ومن المآكل التي كانوا يعجبون بها ألبان الضباء. وكان الرشيد يسر بها. ولقد زار جعفر بن سليمان والي البصرة سنة١٩٦، فأحضر له على مائدته ألبان الضباء وزبدها فاستطاب طعومها وسر بها.