كل فج لرؤيته وقالوا:(سيتل العصفور أخيراً تعليماً حسناً)؛ وصرح آخرون:(حتى ولم ينل أحسن التعليم، فإن له الحظ أن يكون له قفص جميل! ما أسعد جَد هذا العصفور! ورجع الصانع سعيداً ملئ اليدين من حسن الجزاء، وابتدأ الأستاذ درسه بعد أن جذب نفساً من غليونه، وقال لا بد لي من مكتبة. فدعا ابن أخي الملك نساخي البلاد، فنسخوا ونقلوا الكتب حتى تجمع منها الكثير، فقال كل من رأى هذه الأسفار:
(مرحى سيكون له الآن من المعرفة قدر وفير)، ورجع النساخون بجوائز طردت عنهم إلى الأبد شر الفاقة.
وبذل الوزير لهذا القفص الثمين من ضروب العناية ما ليس له حدود، حتى جهر الناس جميعا وقالوا: سيتقدم التعليم بكل هذه الجهود، وتوفر على العناية بهذا القفص كثيرون، ولرقابة هؤلاء توفر نفر أكثر، وفازوا جميعاً بأسمى الهبات والعطايا.
- ٤ -
تنقص الدنيا أشياء كثيرة، إلا أن الساخطين لا ينقصهم أن يهمسوا، (إن القفص معني به كل العناية، لكن العصفور على ما يظهر مهمل)؟ وبلغ الهمس آذان المليك.
فاستدعى الوزير واستخبره معنى هذا الهمس، فقال الوزير:
(يا مولاي، إذا أردتم معرفة كل الحقيقة، فاستدعوا المعلمين والنساخين والصائغ والرقباء على القفص ومراقبي الرقباء وقد قال الساخطون ما قالوا، لأنهم يتضورون من الجوع)، فاقتنع الملك وجزى الوزير، فأهدى سلسلة من الذهب إليه.
- ٥ -
وتاق الملك يوماً إلى معرفة نجاح العصفور، فتوجه إلى المدرسة في حفل من الوزراء والأصدقاء والندامى، وأذاعوا زيارة الملك في الأبواق، ودقت النواقيس المعلقة فوق المدرسة، وأخذ العلماء يرتلون الأجزاء المقدسة، وهتف البناؤون والعمال والنساخ والصائغ فيوت واحد (ليحيى الملك).
وقال الوزير (مولاي! انظر!)
فأجاب الملك (مدهش! ولكن ما هذه الضوضاء؟)
فقل الوزير: ليست هذه ضوضاء فحسب، فان وراءها معنى خبيئاً؛ وطرب الملك كثيراً