ترثي لحالها، وتتألم لسوء معاملة زوجها لها، وأخبرتها إن فلبو يبيت في هذه الغرفة التي عثرت على الثغرة المؤدية إليها بطريق المصادفة. فسرت السيدة لهذه البشرى الطيبة وأتت بباقة صغيرة من الزهور اليانعة ذات العطر الشذي، والأرج الزكي، وألقتها من الثغرة التي كانت لا تتسع لأكثر من إدخال رأسها، في مكان ظاهر من غرفة فلبو وظلت واقفة في مكانها تترقب أوبته بفروغ صبر. فلما حضر الشاب ووجد باقة الزهور في حجرته دهش لذلك دهشة عظيمة، سيما وإنه لم يكن متزوجاً وكان يقطن في هذا المسكن بمفرده، وزادت دهشته حينما أطلت السيدة برأسها من الثغرة الضيقة ونادته باسمه ثم عرفته بنفسها! ووقف الشاب مبهوتاً زائغ البصر لحظة ولكنه لم يلبث بعد أن هدأ روعه، واسترد هدوءه، أن رحب بهذه الصداقة الجديدة التي كان ينتظرها منذ زمن طويل من غير طائل، ومن هذا الوقت بدأت السيدة والشاب يقطعان الوقت في المسامرة والحديث فكان ذلك سبباً في سرورهما وغبطتهما معاً.
ولما أقترب عيد الميلاد كانت السيدة قد دبرت خطتها للانتقام من زوجها فقالت له ذات يوم وهي تحاول جهدها أن يكون كلامها طبيعياً على قدر الإمكان:
- إنني أود الذهاب إلى الكنيسة لأعترف للقسيس بخطاياي! فذعر الزوج لهذا الطلب الغريب الذي لم يكن يتوقع سماعه منها وقال:
- وأي خطيئة ارتكبتها حتى تودين الاعتراف بها للقسيس؟ فابتسمت زوجته ابتسامة ماكرة وقالت:
- أو لستُ يا عزيزي بشراً كسائر البشر؟ أم تحسبني قديسة من القديسات أو راهبة من الراهبات؟
ثم سكتت سكتة قصيرة واستطردت قائلة:
- وهل تعتقد إنني معصومة من الزلل، أو بعيدة عن الوقوع في الخطأ ما دمت تشدد الرقابة علي وتحبسني بين جدران منزلك؟
وهنا أطرقت برأسها إلى الأرض وقالت له بلهجة حزينة، ونغمة مؤثرة:
- آه لو كنت قسيساً لاعترفت لك بكل شئ، ولكنك مع الأسف لست إلا فرداً عادياً كسائر الأفراد، وبشراً سوياً كبقية البشر!