فقد يكون ذلك غاية الذم في عرف قوم وغاية الثناء في عرف آخرين!
ولسنا نختم هذا المقال قبل أن نستوفي سيرة الحمام كما عرضت خلال الزيارة الحجازية إما بمكة أو خلال الطريق.
فقد كان الحمام ذات عشاء بعض صحاف المائدة على اليخت (المحروسة) أثناء عودته الأولى من جدة إلى السويس، فعلمنا أن جلالة الملك عبد العزيز لا يأكل منه ولا من السمك على اختلافه إلا في النادر القليل.
وأراد صاحب السعادة مراد محسن باشا أن يوفق بين رغبة الملك عنه ورأي بعض الفقهاء في تحريمه، فقال: أن أناساً من المتشددين يحرمون أكل الحمام الذي يربى في بروج الحقول والغيطان فصمت جلالة الملك وتردد ثم سأله: ولم يحرمونه؟
قال مراد باشا: لأنهم يتركونه يأكل من مال غيرهم ولا يطعمونه من عندهم، فحرمه أولئك الفقهاء كما يحرمون مال (الغير) المأخوذ بغير علم من أصحابه.
وكنا نحسب أن هذا التشدد مما يرتاح إليه فقهاء نجد لأن الشيخ محمد بن عبد الوهاب منسوب إلى التشدد فيما يترخص فيه عامة الفقهاء.
ولكن جلالة الملك ظل على تردده والتفت إلى أخيه صاحب السمو عبد الله بن عبد الرحمن كمن يستفسر رأيه في هذا التحريم.
فقال سمو الأمير: لا حرج في أكله وما أرى وجهاً لتحريمه ولا قولا يعتد به في ذلك، وإنما حكمه حكم العصافير التي تأوي إلى أشجار الناس وتأكل من حيث أصابت الطعام.
فعرفنا شيئاً جديداً من مذاهب أهل نجد في التحريم والتحليل، فهم لا يأخذون بكل تشديد ولا يعزفون عن كل ترخيص، وأن كانت لهم أقوال يخالفون بها جمهرة المتشددين والمرخصين.
وأطراف من هذا أن رئيساً من رؤساء الحكومة السعودية سأل الباشا: أهم يحرمون من الحمام الـ أو الـ لان الأول يأوي إلى البيوت والثاني قلما يأوي إليها وأن عرفت الأمم القديمة استئناسه في بعض البلدان.
فكان هذا السؤال مما لم يخطر على البال، قبل الاستدلال على الحرام والحلال.