سنة التوحيد، وكان هذا النصيب ينفعه حيناً ويجني عليه في أحايين، فكان قربان الحمام مفضلا في شريعة موسى على القرابين من سائر الطيور، وكان الإغريق يتقربون إلى الزهرة ربة الحب عندهم بالحمام الأبيض أو باليمام وما إليه، ولا يزال السحرة في أيامنا يخدعون السذج بالحمامة البيضاء أو الحمامة السوداء، ويتوسلون بالأولى في استعطاف الملائكة والأرواح الكريمة، وبالأخرى في استعطاف الشياطين والأرواح الخبيثة، بل لا يزال أناس من المعاصرين يعتقدون في الحمام اعتقاد الأقدمين الذين زعموا أنه أقدر الطير على استجابة داعي العشق والغرام، وأنه من ثم طعام صالح للأزواج وهدية صالحة في الأعراس.
والشعراء يضربون به المثل في الوفاء والغناء، وبعضهم يسمي هديله بالبكاء لفرط الحنين إلى الألفاء والأحباء، ويجاري الشعراء في هذا الرأي بعض من كتب عنه من الطبيعيين والمشغولين بتسجيل عادات الطيور.
أما الصواب فهو ما قاله المعري حيث قال:
أبكت تلكم الحمامة أم غنت ... على فرع غصنها المياد
وهو أيضاً ما قاله حيث قال:
ظلم الحمامة في الدنيا وإن حُسبت ... في الصالحات كظلم الصقر والبازي
ويؤيد المعري في هذه الملاحظة هواة الحمام من العرب، وأشهرهم مثّنى بن زهير حيث يقول فيما رواه عنه الجاحظ في كتاب الحيوان:(. . . لم أر شيئاً قط في رجل وامرأة إلا وقد رأيت مثله في الذكر والأنثى من الحمام: رأيت حمامة لا تريد إلا ذكرها كالمرأة لا تريد إلا زوجها وسيدها، ورأيت حمامة لا تمنع شيئاً من الذكورة كالمرأة لا تمنع يد لامس، ورأيت الحمامة لا تزيف إلا بعد طرد شديد وكثرة طلب، ورأيتها تزيف لأول ذكر يريدها ساعة يقصد إليها. . . ورأيت حمامة لها زوج وهي تمكن ذكراً آخر لا تعدوه. . . ورأيتها تزيف لغير ذكرها وذكرها يراها، ورأيت الحمامة تقمط الحمام الذكور ورأيت الحمامة تقمط الحمامة. . .).
إلى آخر ما قال وهو صواب:
ولا ندري هل ذم الحمام أو أثنى عليه حين قال إنه يشبه الناس في أطواره ذكوره وإناثه.