فصار معلماً أو كاتباً، أو موظفاً. . . وأما عمرو، فأهمل درسه، وأضاع وقته، والتوى مع الطرق الملتوية، فالتحق بالأحزاب، وعاشر الأغراب، وولج حيث لا يحسن الولوج، وخرج من حيث يستقبح الخروج، ورفع ووضع، وخرب وأصلح، حتى عرفه الناس، فكان نائباً، ثم صار وزيراً، ثم تمت آثار قدرة الله القادر على كل شيء، فاستحال قائداً من القادة. . .!
والأدباء وأهل الصحف، همّ أكثرهم التزلف إلى القراء، والوصول إلى رضاهم، رأوا أقرب الطرق طريق الشهوة فسلكوه، وركبوا فيه الصعب والذلول: من الصور العارية، والقصص المثيرة، وطريق الأغراب في عرض الأخبار، وتكبير الصغير، وتعظيم الحقير، وتشويه أوجه الحقائق، فيقرأ الناشئ الشيء وضده، فلا يؤمن من بعد بشيء، وإن كان في الكتاب من يدعو إلى إصلاح، في لغة صحيحة، وأسلوب منقح، لم يقرأه إلا الخاصة، وإن كانت مجلة على هذه الصفة لم يبع منها مع كل ألف من تلك عدد واحد!
ولعلي بالغت، أو غلب علي التشاؤم، فلم أر إلا ما ذكرت ووصفت، ولكني صدقت ولم أقل إلا حقاً، ولعل الذي قلت أقل من الحق!
أن العالم اليوم واقف على مفرق الطرق، حائر بينها أيا يسلك منها، ونحن أشد أهل العالم حيرة وتردداً، فنحن في المكان الذي تلتقي فيه نحل الشرق والغرب ومذاهبهما كلها، فيأخذ كل واحد ما تصل إليه يده، ثم يصيح في الدعوة إليه، ثم يزاحم ليشق له طريقاً. . . فنحن في زحمة وضجة دونها ما يروون عن ضجة برج بابل، والله وحده يعلم عمّ تنجلي. . . ففي الدين سلفيون وصوفيون، ودعاة إلى التمسك بالمذاهب وترك الاجتهاد ونبذ التقليد، وإلى الأخذ بالحديث وترك كتب الفقه وإلى الاقتصار عليها، وفي البدع دعاة إلى القاديانية والبهائية والنصيرية والتيجانية ووحدة الوجود، وفي غير الدين شيوعيون وقوميون سوريون، وملحدون ومستهترون، ثم الدعاة إلى السفور والاختلاط، والمدافعون عن الحجاب، وفي السياسة كتلويون وعصبويون ومعارضون ومؤيدون، وعاملون للإنكليز أو للفرنسيين أو للروس، وقائلون بالجمهورية أو بالملكية، أو بالاستقلال أو بسورية الكبرى أو بالوحدة العربية، والمناقشات مستمرة لا تنقطع، والخلافات قائمة ما تقعد، قد انشقت البيوت، وانصدعت الأسر، وأني لأعرف أخوين: شيوعياً أحمر، وعضواً في شباب محمد،