لأنسينك إن طال الزمان بنا ... وكم صديق تمادى عهده فنسي
ويقول:
وسوف ننسى فنمسي عند عارفنا ... وما لنا في أقاصي الوهم أشباح
ويقول في رسالة الغفران على لسان المهلهل، حين سأله ابن القارح عن بيت ينسبه إليه، كان الأصمعي ينكره ويقول إنه مولد، وكان أبو زيد يستشهد به ويثبته: فيقول المهلهل:
(طال الأبد على لُبدٍ، لقد نِسيت ما قلت في الدار الفانية).
٨ - رسالة الشياطين:
ومن أبدع ما قرأناه للمعري في هذا الباب ما كتبه عن النسيان في رسالة الشياطين التي ألحقناها برسالة الغفران في طبعتها الثالثة. فقد نسي أسمه أحد عارفيه ولم يثبته، وجعله محمداً بدلا من أحمد، ثم نسى مرة ثانية فقصر كنيته فقال:(أبو العلا) بدلا من (أبي العلاء) فعاتبه المعري متلطفاً وإن بدا من ثنايا عتابه الرقيق ألمه لنسيان صاحبه الذي حداه إلى تبديل اسمه وقصر كنيته. قال:(ودلني كتابه على إنه يحسبني قد أضعت وده، وتناسيت في طول الزمان عهده. إني إذاً لمن الظالمين. عرفني بنفسه أنه من أهل البصرة، وقد صح معي أنه من أهل البصيرة الساكنة في خلده، وتلك أجل من البصرة بلده، وهل البصرة إلا حجارة بيض، يطأها إنس وربيض (يعني الأغنام ورعاتها) إلى أن يقول: وأهل البصرة - سلمهم الله - ينسبون إلى قلة الحنين. أليس قد مرت به هذه الحكاية، وهي أنه وجد على حجر مكتوب:
ما من غريب، وإن أبدى تجلده ... إلا سيذكر - عند العلة - الوطنا
وقد كتب تحته: إلا أهل البصرة. فإذا كانت تلك سجيتهم مع أهلهم وأوطانهم، فكيف بالذين عرفوهم من إخوانهم.