كان في التشهد. فإنه كما ترى، عني بالأول، ما كان في التشهد، وبالآخر السلام الذي يخرج به من الصلاة. وهذا شيء قال به بعض فقهائنا وأئمتنا استحسانا من عند أنفسهم أو مما رووا.
ولا تستغرب يا سيدي إذا وقفت يوماً على قول الأخفش:(ومن العرب من يقول: سلام عليكم، ومنهم من يقول: السلام عليكم. فالذين ألحقوا الألف واللام حملوه على المعهود، والذين لم يلحقوه حملوه على غير المعهود). ثم عاد فقال:(وفيهم من يقول: سلام عليكم، فلا ينوّن)؛ ثم ذكر العلة فقال:(حمل ذلك على وجهين: أحدهما حذف الزيادة من الكلمة كما يحذف الأصل على نحو (لم يك)؛ والآخر أنه لما كثر استعمال هذه الكلمة، وفيها الألف واللام، حذفا لكثرة الاستعمال، كما حذفا من اللهم فقالوا: لهمّ). وكأنه جعل (السلام عليكم بالتعريف هي الأصل الذي كثر استعماله).
فلا تستغرب إذا نظرت فرأيت أن الذي جاء في مقالتي ليس خطأ ولا مجاراة على خطأ. ولا تستغرب إذا أنا قلت لك: إن أدعياء اللغة إنما يؤتون من سوء التقدير لما يقرءون، ومما انطوت عليه قلوبهم من حب التعالم على الناس بشيء يدعونه ويلتمسون له الحجة، حتى ما يدرك أحدهم فرق ما بين (سلام عليك) و (سلام) و (سلاماً)، كما جاءت في كتاب الله في أكثر من ثلاثين موضعاً، وبين ما جاء في كتاب الله أيضا من قوله:(والسلام على من اتبع الهدى)، وقول رسول الله الذي تلقاه المسلمون عنه في تشهد الصلاة وفي التحية.
واعلم يا سيدي أني قنعت لك ولنفسي وللناس بالنقل مجرداً، ولم أتبعه ببيان الفروق في المعاني، وما ينبغي وما لا ينبغي، ولا تحريت لك ولا للناس أن ألج بهم موالج في دقيق العربية وغامضها تدل على أن من نقلت أنت عنه هذا القول قد تمحل وتهجم على ما لا علم به، وعلى ما لا يحسنه ولا يجيده!
فلا يغررك التبجح بالعلم، ولا تقنع من المتحذلقين بما يسمونه (القاعدة)، فلعلها باطل مزور، وكذب مختلق، واجتراء على العربية هي من سوأته براء، ولعل دليلهم يكون هو الدليل على بطلان ما يزعمون كما رأيت. وفي هذا مقنع وهدى.