فلم يجب زوجها على ملاحظتها بشيء على حين استطردت السيدة قائلة:
- كم أود أن أقبل هؤلاء الأطفال جميعاً!!
ثم تنهدت تنهدة عميقة حارة صادرة من قلب يائس مكلوم وتابعت حديثها إليه فقالت:
- كم اشتهي يا هنري أن يكون لدينا ولد من هؤلاء الأولاد ولا سيما هذا الولد الواقف هناك بمفرده، وأظنه أصغرهم سناً.
قالت ذلك ثم قفزت من المركبة بخفة ونشاط وهرعت نحو الأطفال وأمسكت بالولد الذي أشارت إليه ورفعته بين ذراعيها وأخذت تقبل خديه القذرين وشعره المجعد المعفر بالتراب، ويديه الصغيرتين اللتين كان يحاول أن يخلص نفسه بهما من بين يديها اللتين كانتا تمسكان به بحنان بالغ ورفق عظيم، ثم تركته وعادت إلى المركبة منصرفة إلى حال سبيلها.
وفي الأسبوع التالي عادت هذه السيدة مرة أخرى وجلست تشاطر الأطفال ألعابهم كما لو كانت واحدة منهم! وقد أحضرت لهم معها في المركبة في هذه المرة كمية كبيرة من الكعك والفطائر والحلوى، وأخذت تقدمها إليهم وتوزعها عليهم بنفسها، بينما كان زوجها، واسمه هنري دوبرييه، ينتظرها في المركبة على مضض، وينظر إلى ما يجري حوله بشيء من الدهشة والغرابة.
وصارت تلك السيدة الرحيمة الطيبة القلب تتردد على الكوخين من وقت لأخر، وكانت تحشو حقيبتها وجيوبها في كل مرة بالحلوى التي كان يتقبلها الأطفال منها بكل لذة وسرور.
وبمرور الأيام تعرفت مدام دوبرييه إلى كل من العائلتين المتجاورتين، وعرضت عليهما صداقتها التي كانت لها أحسن وقع وأجمل أثر في نفوسهما الحزينة البائسة.
وفي صباح يوم نزل المسيو هنري دوبرييه من المركبة واصطحب زوجته معه ثم دخلا كوخ ال توفاسن دون أن يخاطبا في هذه المرة أحداً من الأطفال الذين كانوا قد تعلقوا بهما وأحبوهما حباً جماً.
وكان توفاسن وزوجته موجودين في الكوخ في ذلك الوقت فدهشا لدخول مدام دوبرييه وزوجها الفجائي، وقدما أليهما مقعدين نظيفين، وانتظرا بفارغ صبر ما ستقوله لهما هذه