للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الزمن ومصاعبه؛ ولذلك فإني أحمّل المسلمين في مجموعهم مسؤولية هذا العبث بآثارهم، لأنهم جهلوا ماضيهم وآباءهم وأجدادهم وتهاونوا في أمورهم لما تنكروا لأصولهم وأمجادهم، وتناسوا منزلة دينهم وأثره في شؤون العالم، فحقت فيهم كلمة التنزيل (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها).

وقلت أين علماء الإسلام؟ ما لهم لا يقومون بأداء الأمانة التي في أعناقهم فيعلمونا ما نجهل من أمرنا وأمر ديننا وشؤون من تقدم منا؟ لقد قرأنا عن السلف الصالح من رجال الدين ممن حملوا رسالة الشافعي وغيره من أئمة المسلمين طول القرون الماضية أنهم قوم جاهدوا في الله خير جهاده؛ بذلوا أنفسهم في سبيل العلم، والبذل في سبيل العلم بذل في سبيل الله، وكانوا أشداء إذا اقتنعوا بالحق فجهروا به، رحماء بين أنفسهم ومع الناس.

فأين جهودهم وأين علومهم وهم أولى الناس، أن نتلقى دروس الماضي عنهم؟

والآن قف بالله على أرباض الفسطاط ومنازل العروبة الأولى وموطن الإسلام أيام الفتح! ماذا نرى؟ أطلالا وراء أطلال، وكانت هذه الجهة عروس الدنيا. إنني أنظر إلى وصف الأقدمين لها، وأرجع إلى ما كتبه المقريزي والسيوطي وابن دقماق وغيرهم وإلى علماء المزارات، فأشعر بالحسرة تملأ نفسي وتحزّ في قلبي. وأعود إلى الخرائط الحديثة والقديمة وإلى وصف الرحالين لهذه البقاع فلا أعثر على ضالتي، وإلا فاعلمني أين جامع الفتح مثلاً، بل وأين جامع راشدة؟

لقد كان موقعه بين دير الطين والفسطاط، في خطة راشدة وهي قبيلة من قبائل العرب وبطن من لحم، نزلوا هناك عند الفتح، وأنشأوا لهم جامعاً، ثم عاد الحاكم بأمر الله فجدده وعلّق فيه قناديل من فضة، وعمّر بعد ذلك مراراً؛ وكان يمتلئ بالناس لكثرة ما حوله من السكان. هذا هو قول المقريزي، فانظر ما يقوله على مبارك باشا في خططه، وقد زال هذا الجامع ولم يبق له من أثر.

أما جامعنا العتيق وهو جامع عمروا فباق مع الزمن، يحدّث عن أمجاد العروبة والإسلام، وقد فكر المغفور له الملك أحمد فؤاد الأول طيّب الله ثراه أن يعيده إلى سابق مجده، متخذاً في ذلك سنة من تقدمه من ملوك الإسلام في مصر، وعملت له مسابقة دولية، فمتى يتم هذا العمل الجليل وأراه يتألق في مجده القديم، وأمتع ناظري بلوحة من الرخام وقد نقشت عليها

<<  <  ج:
ص:  >  >>