بحروف ذهبية كلمات عمرو بن العاص في إحدى خطبه حينما قال لأهل مصر:
(إعملوا أنكم في رباط إلى يوم القيامة لكثرة الأعداء حولكم، تتجه قلوبهم إليكم وتتشوق إلى دياركم معدن الزرع والمال والخير الواسع والبركة النامية) وكانت خطبته بجامع عمرو
واستشهد بما سمعه عن الرسول صلوات الله عليه إذ قال:
(إذا فتح الله عليكم مصر فأتخذوا فيها جنداً كثيفاً فذلك الجند خير أجناد الأرض) فمتى يتم ذلك وتعمر الأحياء حوله، وتعود أيام المسجد العتيق فتمتلئ رحباته بالمصلين يوم الجمعة؟ وهو الذي يمثل وحده إذا ذكر، أمجاد مصر وأياديها في خدمة الشريعة ونصرة دين الله، وهو الذي سطع نجم الشافعي فيه، والإمام مفخرة من مفاخر مصر العربية في الماضي، وموضع اعتزازها في الأجيال القادمة بإذن الله.
وذكر صاحب النجوم الزاهرة أن الملك المعزأيبك، وهو أول ملوك الدولة التركية بالديار المصرية والشامية، أنشأ المدرسة المعزية على النيل بمصر القديمة ووقف عليها أوقافاً، وكان مدرسها القاضي برهان الدين الخضر ابن الحسن السنجاري. فأين الآن هذه المدرسة الإسلامية؟ ولماذا لا تعاد إلى مكانتها من العز السالف، كما أعزها منشئها وبانيها؟
لئن قلت موارد وزارة الأوقاف ونضبت، فهل أعلنت أن المدرسة في حاجة إلى المال فقبض الناس أيديهم عنها، وبخلوا بأعطياتهم وتبرعاتهم ليعيدوا أثراً لهم من آثار السلف الصالح يقيمون فيه شعائر الإسلام ويفخرون به.
وكان على شاطئ النيل الجامع الجديد الناصري، أنشأه الناصر محمد سنة ٧١٢ هجرية وكانت له أربعة أبواب وفيه مائة وثلاثون عموداً وكان بمصر القديمة، ووصفه المقريزي وصفاً دقيقاً وقال (تولى الخطابة فيه قاضي القضاة بدر الدين محمد بن إبراهيم ابن جماعة الشافعي، ورتب في إمامته الفقيه تاج الدين بن مرهف). وكان الملك الناصر محمد قلاوون ملكاً ملء عين الزمن، وكان أئمة الدين وعلماء الإسلام وقضاتهم يتقربون إلى الله بخدمة الشعب والامتزاج به ورعايته كما رعى أنبياء إسرائيل خراف إسرائيل الضالة، ولم تكن أخذتهم الأنفة وعلو علواً عظيماً، فوجدوا كبيرة على أنفسهم، إذا تولوا الخطابة والإمامة بمساجد الله، وقد كان الملوك والخلفاء والعظماء يتولونها في السابق، وكان النبي يؤدي رسالته بالمسجد ويقوم بين الناس إماماً وخطيباً.