للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العربي، العود إلى الماضي، وسيؤوم هذه الجهة عالم الآثار للبحث عن آثارها وما ترك السلف، ويأتيها عالم المزارعات لتحقيق موضع قبر من قبور العلماء أو القضاة أو الأولياء، ويجئ إليها المؤرخ المولع بتتبع حوادث الفتوح الإسلامية والعصور الأولى من الهجرة، فهل تترك هذه الجهات كما هي عليه الآن بغير حمايتها ممن يهدمون الأنقاض وينقلون الأسمدة، وهل ضاقت مصر القاهرة بضواحيها وبيدائها، فلم تجد للمدابغ والمذابح ومخامر الأسمدة غير بقعة الفسطاط وجوار جامع العسكر ودار الإمارة؟ بالله زر هذه الأماكن وتأمل ثم احكم معي وضم صوتك لصوتي لتقول:

إن أشنع تحقير لعصر الفتح الإسلامي وللمسلمين وكرامتهم وعزتهم في القرن العشرين بقاء هذه الحالة في جهة تتصل بماضيهم كما هي في الوقت الحاضر.

وأعود لما كنت فيه، إننا سنجد هناك ما يدعو الواجب الإسلامي والعربي إلى إعادته كما كان في أوج عظمته ومجده، مثل جامع عمرو وجامع العسكر ورباط الآثار والمدرسة المعزية، ومنها ما يكتفي بالمحافظة عليه انتظاراً لمجهود الأجيال القادمة، ومنها ما اندثر مع الزمن فيجب تحقيق موضعه، وبناء نصب يذكرنا به. ولقد سمعت من بعض الجهات أنها تطلب مليوناً من الجنيهات لتصرف على تحسين أماكن الآثار القديمة بالوجه القبلي، فهل فكر أحد في الفسطاط، إنها المدينة التي خرجت من تحت الأنقاض، أنفقوا عليها جزءاً من أجزاء هذا المبلغ الضخم لتكون فرجة لمختلف الفرنجة من السائحين إذ فيهم من يشتاق لرؤية آثار العرب ويقدر ذوقه آثارهم إن لم نقدرها نحن.

ونحن لا نبالي بذلك، بقدر اهتمامنا بالشعب المصري الذي يطالب بما يذكره بماضيه وانحداره من تلك الأصول الثابتة. إن وراء الآثار الإسلامية مجداً وقوة، إذ تلمس من أبنيتها صولة تملأ النفس، وعظمة تخلق جيلاً من الناس، سيسلك حتماً مسلك السلف الصالح من المسلمين. وإياك أن ننسى فتصدق فينا الآية الشريفة بصورة الأنعام:

(فلما نسوا ما ذُكّروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون).

أحمد رمزي

القنصل العام السابق بسوريا ولبنان.

<<  <  ج:
ص:  >  >>