وطريقة التفكير الديني والمعتقدات وأسماء الأشخاص عند عرب الجنوب وبينها عند اليهود، فتوصل إلى رأي هو أن الوطن الأصلي لليهود لم يكن أرض فلسطين أبداً، بل قد يكون أرض اليمن، وهي أرض الهجرات السامية، ذلك الوطن الذي ارتحل عنه هذا الشعب.
على كل، فقد هاجر اليهود إلى أرض فلسطين، وصاروا يحاربون الأمارات والمشيخات مدة طويلة. وقد تألف من هذه الأمارات حلف قوي لطرد العبرانيين أمثال: الكنعانيين والعموديين والحيثيين والفلسطينيين الذين كانت لهم حكومة متحالفة تشمل خمس مدن أو أمارات صغيرة، هي غزة وأشدود وعسقلان (اشقلون) وجت (معناها المعصرة) وعقرون.
أضف إلى ذلك الأمارات الأخرى أمثال إمارة العموتيين وإمارة بني عمون وإمارة موآب وأدوم التي تقع في جنوب البحر الميت على تخوم موآب في مرتفع من الأرض يطلق عليه اسم جبل سعير. وقد عارضت كل هذه الأمارات الاسرائيليين وقطعت عليهم الطريق، وكبدوهم خسائر كثيرة لم تنقطع طول مدة بقاء اليهود في فلسطين.
دخل اليهود فلسطين ومعهم فكرتهم الدينية، إلا أن هذه الفكرة لم تكن تتجاوز تلك العقيدة التي نقرأها في التوراة والتي تتمثل في سفر يشوع على الأخص. وهي أن إله إسرائيل قد وعد شعب إسرائيل بأرض إسرائيل، فعلى هذا الشعب أن يخلص تلك الأرض من أيدي الشعوب الساكنة فيها، وعلى يشوع أن يتشجع ويحارب ليخلص تلك الأرض وليسيطر عليها من نهر الفرات الكبير إلى البحر. فلما دخل الاسرائيلون تلك الأراضي وجدوا شعوباً كانت مقيمة فيها خضعت لهم ولكنها لم تخرج من أرض فلسطين بل ظلت جذورها باقية إلى زمن الفتح الإسلامي. ويرى بعض الاختصاصيين في التاريخ العبري أن الكنعانيين من شعوب فلسطين القديمة على الأخص لم يرحلوا عن فلسطين بل ظلوا فيها إلى الفتح الإسلامي. ولما أصبحت فلسطين أرضاً إسلامية دخل هؤلاء في الديانة الإسلامية وظل بعضهم على دين النصارى حتى هذا اليوم. ويستطيع الإنسان على ما يقوله هؤلاء الثقات في التاريخ العبري أمثال الأستاذ روبنسون والسير فرازر أن يلاحظ ملامحهم في سكان فلسطين الذين يتكلمون اللغة العربية، إلا أن كثيراً منهم ينحدر من ذلك الجيل الكنعاني القديم صاحب فلسطين قبل هجرة العبرانيين إلى الأرض الموعودة بمئات وألوف السنين.