للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والمعري يقول في لزومياته في معرْض الإشارة إلى نسيان الشيخ آدم أبي الخليقة:

احتج في الغي بالنسيان والدهم ... وقد غووا بادكار، لا أقول: نَسُوا

ويقول في غفرانه، متخيلاً صاحبه ابن القارح وقد عمد لمحله في الجنان، فيلقي آدم عليه السلام، في الطريق، فيقول: يا أبانا صلى الله عليك، وقد روُي لنا عنك شعر، منه قولك:

(نحن بنو الأرض وسكانها ... منها خلقنا وإليها نعودْ

والسعد لا يبقى لأصحابه ... والنحس تمحوه ليالي السعودْ)

فيقول: (إن هذا القول حق. وما نطقه إلا بعض الحكماء. ولكني لم أسمع به إلا الساعة.

فيقول: (فلعلك يا أبانا قلته ثم نسيت فقد علمت أن النسيان متسرع إليك. وحسبك شهيداً على ذلك الآية المتلوة في قرآن محمد (ص): (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزما) وقد زعم بعض العلماء أنك سميت إناساً لنسيانك، واحتج على ذلك بقولهم في التصغير: (أَنيْسِيان) وفي الجمع أناسي. وقد روى أن الإنسان من النسيان، عن ابن عباس. وقال الطائي:

لا تنسَيَن تلك العهود، وإنما ... سميت إنساناً لأنك ناسي

فيقول آدم (ص) أبيتم إلا عقوقاً وأذية: إنما كنت أتكلم العربية وأنا في الجنة. فلما هبطت الأرض نقل لساني إلى السريانية فلم أنطق بغيرها إلى أن هلكت. فلما ردني الله سبحانه وتعالى إلى الجنة عادت على العربية. فأي حين نظمت هذا الشعر. في العاجلة أم الآجلة. والذي قال ذلك يجب أن يكون قاله وهو في الدار الماكرة. ألا ترى قوله: (منها خلقنا وإليها نعود) فكيف أقول هذا القول ولساني سرياني. وأما الجنة قبل أن أخرج منها فلم أكن أدري بالموت فيها، وأنه مما حكم على العباد. وأما بعد رجوعي إليها فلا معنى لقولي (وإليها نعود) لأنه كذب لا محالة. ونحن معاشر أهل الجنة خالدون مخلدون. فيقول: (إن بعض أهل السير يزعم أن هذا الشعر وجده يعرب في متقدم الصحف السريانية، فنقله إلى لسانه. وهذا لا يمنع أن يكون. وكذلك يروون لك - صلى الله عليك - لما قتل قابيل هابيل:

(تغيرت البلاد ومن عليها ... فوجه الأرض مغبر قبيح

وأودي رُبْع أهليها فبانوا ... وغودر في الثرى الوجه المليح

ويندد به في معرض حديث ابن القارح مع آدم (ص) في الجنة، وسؤاله عن بيتين

<<  <  ج:
ص:  >  >>