وأكرر أن هذا خلاصة رأيك، وهو حق كل الحق، وجميل كل الجمال.
غير أنني لاحظت أنك، وأنت في معرض الكلام على اللغات وتطورها، قد تعرضت - وبحق - إلى رسم كتابة اللغات. وهنا أشرت - فيما أشرت - إلى شكوى الناس قديماً وحديثاً من رسم الكتابة العربية. ولكن سعة علمك، وجميل منطقتك، وسلامة ذوقك، كل هذا أبى عليك إلا الاحتراس في التقرير، فقلت في آخر صحيفة ٣٨:(ولكن الرسم العربي ليس في حاجة إلى كثير من الإصلاح، فهو من أكثر أنواع الرسم سهولة ودقة وضبطاً في القواعد، ومطابقة للنطق).
بقطع النظر عن سلامة القول بأن في رسم العربية دقة وضبطاً في القواعد ومطابقة للنطق، أو عدم سلامته، فمن رأيك أن هذا الرسم محتاج للإصلاح، ولكن لا لكثير من الإصلاح. ما هو هذا الإصلاح الذي يستلزمه رسم العربية قلَّ أو كثر؟
إن سيدي الأستاذ يعلم حق العلم أن الشكوى من رسم العربية ليست آتية من جهة أن أهلها يصعب عليهم إخراج نغماتها الصوتية، فإن كل الأطفال الذين يقرءون شيئاً من القرآن الكريم بكتاتيب القرى، وكل أطفال المدارس الأولية يعرفون كيف ينطقون نغمات الثاء والجيم المعطشة والذال والظاء والقاف، تلك النغمات الخمس التي ليست أصيلة ولا عامة عند أهل اللهجات العربية البعيدة عن الفصحى. أما سائر حروف الفصحى كالباء والتاء والحاء والخاء والدال والراء. . . إلى آخر الأبجدية، فنغماتها يعرف المصري وغير المصري من أهل البلاد العربية أن ينطق بها نطقاً لا شائبة فيه، بلا فرق في هذا بين متعلم وأمّي. لكن هذه النغمات ليست هي اللغة العربية الفصحى المراد خدمتها، وإلا لما تعذرت على أحد. بل الفصحى هي هذه النغمات موجهة في الكلمة الواحدة توجيهات مختلفة يقوم بها في اللغات الأجنبية حروف الحركات ولا يقوم بها عندنا إلا الشكل الذي أفلس. هذا هو موطن الصعوبة عندنا ومثار الشكوى. وما يهم فيما يتعلق بنا أن تكون كتابة اللغات الأجنبية فيها مساوئ أو لا يكون، إنما الذي يهمنا هو رسم كتابتنا دون غيرنا. فعندما تقول إن رسم العربية هو من أكثر أنواع الرسم (سهولة ودقة وضبطا في القواعد ومطابقة للنطق)، اسمح لي أن أقول إن هذا لا يطابق الواقع إلا من جهة السهولة أي الاختزال المخل فقط. أما من جهة الدقة وضبط القواعد والمطابقة للنطق، فإن هذا تجوّز في التعبير.