للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لساني - عن (روبرت). . . فهز الأستاذ رأسه في حزن وألم! وقال:

- (ليس على ما يرام! فقد أصيب بانحراف ظل ملازمه منذ عيد الميلاد حينما رأيته. . . حالة غاية في الغرابة. . . ولكن اذهب فانظره لملك تستطيع أن تزيل عنه ما يعتريه!)

فذهبت من فوري إلى منزل الأستاذ حيث وجدت روبرت مضجعاً في مقعد طويل. . . وقد تناثرت ثم حوله كتبه وأوراقه وعلق الطبل فوق رأسه. . . وكان وجهه شاحباً ذابلاً. . . ولكن عينيه كانتا في بريق ولمعان. . .

ابتهج وسر حينما رآني. . . ولما علم بوجهتي. . . طفق يسألني كثيراً عن الحرب. . . وظننت أني بحديثي إليه قد سليته عن مرضه، غير أنه فجأة أمسك بيدي وقربني إليه قائلاً في صوت خفيض كالنبأة تسري في الفضاء.

- (سيدي الطبيب. . . أرجو ألا تسخر مني حينما أخبرك بعض الأشياء! إنك لتذكر ذلك الطبل. . .) وأشار إلى الطبل المعلق في الحائط فوق رأسه. . . (وتعلم كيف أتى إلى من حيث لا أدري ولا تدرون. . . فبعد بضعة أسابيع من عيد الميلاد وكان الطبل معلقاً هكذا فوق رأسي. . . وكانت عيناي بين النعاس واليقظة. . . إذ يطرق أذني صوت قرعات خافتة تنبعث من الطبل ثم إذا بها تعلو وترتفع. . . ثم توالت وتتابعت سريعاً، ودوّى صوتها جليلاً رهيباً. . . حتى لكأنها ملأت البيت ضجة ودوياً. طرقت أذني ثانية عندما وافى الليل نصفه ولم أجرؤ على أن أنبئ أحداً بخبرها. . . ولكني كنت أسمعها كل ليلة إثر ذلك. . .

وانقطع صوته برهة. . . ولكنه لم يلبث أن عاد يقول في قلق واضطراب (أحياناً تكون القرعات خافتة هينة. . . وأحياناً تكون مرتفعة مدوّية. . . ولكنها ظلت سريعة متتابعة حتى كنت أخشى أن يسمعها أحد من أهل البيت فيسألني فلا أجد جواباً. . .

بيد أني أعتقد يا سيدي الطبيب، ونظر إليّ نظرة فيها ألم وفيها قلق (أعتقد. . . أن أحداً لم يسمعها سواي. . . إنها تأتيني من هذا الطبل مرتين في اليوم. . . عندما أكون غارقاً في القراءة أو الكتابة. . . أسمعها. . . فكأنها غاضبة حانقة في قرعها. . . وتعمل على أن تستلب عقلي من بين كتبي. . .).

وكانت عيناه تلمعان وتتألقان، وصدره بين ارتفاع وانخفاض، فحاولت أن أخبره أن هذا

<<  <  ج:
ص:  >  >>