وبين من يفهم من الناس، اكبر توفيق حصل عليه ممثل دبلوماسي لمصر منذ أنشئت علاقات سياسية بين المملكة المصرية والجمهورية التركية.
وتعجب معي كيف يتحدث حمد الله صبحي بهذه الشجاعة وكيف يجاهر بآراء لا تتفق مع الرأي السائد لدى السلطات العليا بتركيا، ولكن الرجل القوي المخلص لمبادئه لا يبالي بان يجهر بما يقول وبما يشعر، وكان حمد الله بك عالما فاضلا، والعلم قوة دافعة تسبغ على صاحبها شجاعة وجرأة وثباتا، وكان تاريخه نقيا صافياً، فقد خدم بلاده اجل الخدم، يوم كان زعيما لحركة (التورك أوجاغي) وهي التي أيقظت غريزة الشعور القومي لدى شباب الأتراك، ونفخت فيهم روحا جديدة، ومهدت الطريق لثورة مصطفى كمال التي قادتهم إلى حرب الاستقلال، فهو رجل من صميم الشعب، خرج من صفوفه وأمضى السنوات يعلم الشعب ويلقنه ويقوده، ولما اختلفت وجهة النظر بينه وبين الغازي سلم لرئيس الجمهورية مقاليد الحركة، التي أمضى عشرات السنين في بنائها وقنع بمنصب دبلوماسي خارج بلاده، ولكنه يحن إلى الشعب التركي ويتحدث بفضائل الإسلام ويأبى أن يفرق بين الترك والإسلام، ويجاهر بما يعتقد ولا يخشى إلا الله، وتلك منزلة لا يرقى إليها كل الناس كما نعلم ونلمس لدينا.
كان ذلك في عام ١٩٣٣ وها نحن في عام ١٩٤٦، وقد مضت السنوات وتغيرت الأيام، وتبدلت الأوضاع، وبينما اكتب مقالا للرسالة عن مساجد الفسطاط، وجدت مجلداً من مذكراتي اليومية، فإذا أنا أمام حديث حمد الله بك عن تربية المسجد. فرأيت أن انقله كما هو وان اعلق عليه بما دار في خلدي طول السنين الماضية، واجعله تتمة لحديث الفسطاط ودمعتها الغالية على مساجدها وآثارها.
(يا أيها النبي بلغ ما انزل إليك من ربك، وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس)(المائدة)
بهذه الآية الكريمة خاطب الله رسوله صلوات الله وسلامه عليه، وأدى النبي رسالته، فهل اتبع المؤمنون سنة رسولهم، وقاموا بتبليغ الأمانة التي حملوها في هذا العصر الذي نعيش فيه؟
إن الرسالة المحمدية للعالم قائمة، فإذا أدّاها أصحابها، نشروا بين الخلق تعاليم ومبادئ