واخذ يشرح هذه الناحية يوجهه نظر جديرة بكل اعتبار وتقدير، ويؤيدها بمنطق الرجل المسلم الشاعر بأهمية العمل الروحي، والمؤمن أيمانا لا يتزعزع بقوة المبادئ والدوافع التي قامت عليها الرسالة المحمدية.
وكنا نشعر وقتئذ بما بين تركيا وروسيا السوفيتية من علائق الود والصفاء والتحالف، وكنا نعرف أشياء عن محاربة البلاشفة للعقائد ولنظام الأسرة، وكان الأتراك يقلدون الروس في أشياء، ولكن حمد الله بك صرح بما يعتقد انه الصواب بقوله (لا يمكن لمجتمع بشري يحترم نفسه أن يحارب الاسرة، إذ هي الرابطة الأساسية والأولى التي تصل بين الفرد والمجتمع وبين الطبيعة والبشرية وبين المادة والروح)
كنا نستمع إليه جميعا ونحن نسلم بان هذه الكلمات تخرج من وحي أيمانه وعقيدته فهي ليست من قبيل المجاملة، بل نتيجة تفكير طويل ورأى ناضج. وكان يتحدث عن الشعب التركي حديث رجل يفيض قلبه بمحبة هذا الشعب الإسلامي الكبير، كما يتحدث والد عن اعز بنيه أو احب شئ لديه. وكان وطنيا بغير تعصب، قوميا مع سعة صدر. واذكر انه ختم كلامه بقوله:(ليس اصعب على السياسي أو المتصدر لقيادة نهضة أمة وهي في غمرات تحررها ويقظتها، من أن يلقنها كيف توفق بين الشعور بالوطنية الصحيحة ومراميها وأهدافها المشروعة وما يلابسها من حماسة وتطرف، وبين الإيمان بمحبة الأمم الأخرى والأخذ بالتساهل معها والشعور بأهمية العمل في حقل التعاون الدولي وما يتطلبه من تفاهم وتساند).
أن قليلين من رجال السياسة الذين استبقوا حوادث الزمن ونظروا هذه النظرة، وان هذا المبدأ من المبادئ التي تحاول أن تحققها الأمم بعد الحرب العالمية التي انتهت اخيراً، ولكني انقلها كما هي من مذكرات عام ١٩٣٣.
من هو الرجل؟
إلى هنا انتهى حديثه، وانفض بعد ذلك جمع أناس من أهل الرأي والفضل، كان أستاذنا الكبير توحيد بك السلحدار يعرف كيف يجمعهم في دار المفوضية، حينما مثل مصر تمثيلا عاليا ورفع من شانها، وجعلها موضع احترام الأمة التركية وحكومة الجمهورية، فكان أول ممثل لدولة أجنبية جاء إليه رئيس الدولة، وعد ذلك بين الأتراك ورجال السلك الأوربي