ولو قبلنا رأي ابن خلكان لأضعفه الحساب التالي: نفترض أن الأبيوردي اتصل بالمقتدى - وهو أول خليفة اتصل به الشاعر - وعمره لم يتجاوز الثلاثين، فيكون عمره يوم وفاته نحو مئة عام، والمسافة بين رأيي ياقوت وابن خلكان نصف قرن بالضبط فكيف أنفقها الشاعر؟ وبمن اتصل مادحا أو مصاحبا؟! ونحن لا نجد لذلك أثرا في ديوانه وكله بين أيدينا، اتفق عليه كل من أرخه بأنه هو نفسه نسقه ونظمه بيده وقسمه إلى فصول ثلاثة سماها: النجديات والوجديات والعراقيات،. نعم لا نجد إلا قصيدة واحدة رثى بها الملك أحمد معز الدين المتوفى عام ٥٥٢هـ فيكون عمره يوم نظمها - على الحساب المتقدم - خمسا وتسعين سنة. ولو رجعنا إلى القصيدة، لوجدنا فيها روح شاب متفلسف لا روح شيخ هرم وضع قدميه على حافة القبر. فنحن هنا بين أمرين: إما أن نقول بان القصيدة مدسوسة عليه - وهذا رأي يبرزه النقد - وإما أنها له لكنها قيلت في إنسان أخر اسمه أحمد عاصره الشاعر. ونحن إلى الرأي الثاني أميل، لأن روح الأبيوردي ترفرف عليها في كل مقطع (ولعله أحمد بن مروان صاحب الموصل المتوفى عام ٤٥٣هـ بعد أن حكم إحدى وخمسين سنة وكان كعبة شعراء زمانه).
هذا وان من أوائل من نوه بالشاعر تاج الإسلام ابن السمعاني المتوفى عام ٥٦٢هـ، وهو ينقل عن شيرويه المتوفى عام ٥٠٩هـ. فلو قبلنا رأي ابن خلكان لكان معناه أن شيرويه حدد وفاة الأبيوردي قبل سبع وأربعين سنة، وهل يعقل أن يحدد من سبق نهاية من لحق؟ ولقد كان السمعاني ثقة لا شك فيه ونعتقد أن ابن خلكان لم يخطئ وإنما جاء الغلط إلى كتابه عن طريق النساخ والكتبة الذين شغلوا من رسالتنا هذه صفحات لتحقيق صفر كوروه فكبروه فرقم كخمسة في العدد!!
ويؤكد هذا الرأي الأبيوردي تسلم خزنة الكتب في المدرسة النظامية بعد الاسفرائيني المتوفى عام ٤٩٨هـ، وهذا المنصب لم يكن يتولاه إلا ذو مكانة علمية كبيرة وللسن قيمتها فيه، ولا نعتقد أن الأبيوردي وصل إليه إلا بعد أن اجتاز مرحلة واسعة من عمره تسلح فيها بعلم وفير وظهرت مؤلفاته ونبهت شهرته وانتشر شعره.
إذا تأكد لدينا هذا، وعرفنا أن الأبيوردي توفى عام ٥٠٧هـ ففي أي سنة ولد يا ترى؟ وكم كانت سنه يوم وفاته؟ هذا ما لم يذكره أحد فلنرجع إلى ديوانه، ولن نطوف فيه كثيرا حتى