ولو قصر شعر (محمود حسن إسماعيل) عل هذا فحسب، ولم يتجاوزه إلى ما هو اعرق في الشاعرية، لقصر كلامنا على التنويه بشعر شاعر دفعه إخلاصه لمليك البلاد إلى أن يصدر ديوانا يحمل اسمه الكريم فالمدائح وشعر المناسبات يتسم أكثره بفيض في المبالغة والاجتلاب وبوشي محمل بالتزاويق البيانية، هذا والأدب العربي، قديمه وحديثه، ينوء بأحمال ثقيلة منه، وما كان ليؤبه بهذا اللون من الشعر لو لم ينسب منه عرق رفيع يعتبر تحق من جيد الشعر مبنى ومعنى، إذ يحمل طالع الصدق والاعتدال في التعبير، ويلمع باشرا قات الحذق الفني في الصياغة والأسلوب، ويتسم بالاتزان إذ فيه يعوض الشاعر عن شطحاته وهو يزف آيات المديح، غوص على المعاني وتوفيق في استخراج طريفها ولطيفها، ويتجاوز استيحاؤه صفات الممدوح إلى الاستلهام من القيم الإنسانية العامة، فتكون للشاعر التفاتات تجئ من غير افتعال وكأنها هجس الخاطر، فتشد إلى القصيد صورا أخرى كم من الحياة لا تلبث أن تزوده بجديد من المعاني فيتسع أفق الشاعر فيما يقول وتعظم متعة القارئ أو المستمع له وكأن الشاعرية الدافقة في نفس الشاعر لا يكفيها محور واحد تدور عليه، فهي تتجاوزه قادرة إلى سواه من غير أن تجعل العرض يطغى على الجوهر، وبدون أن تنفصم عرى التلاحم بين المعاني الأصيلة والواردة عليها.
والمتأمل شعر (محمود حسن إسماعيل) في هذا الديوان، لا يعدم موطنا يطالعه بهذا.
انظر إلى قصيدته (نور من الله)، فبعد مديح في الفاروق يبلغ ذروته في هذا البيت:
(مُمَلَّكٌ في شباب العمر تحسبه ... لحكمة الرأي تحدوه القدسات)
إذ بك منقول على جناح خياله، وقد يمم شطر الأهرام في لفتة لطيفة، ليحيط بك في رحاب البطل (إبراهيم)، وأذ بالشاعر يقول:
أهرام خوف تهاب الجن ساحتها ... كأنما هي الأقدار خيمات
مخيمات وأسرار السماء بها ... كأنما هي الأفلاك جارات
وخيل رمسيس ما زالت سنابكها ... تلقى حديث الوغى عنها الفتوحات
والسيف في يد إبراهيم ما فتئت ... للنصر ترعش حديه الخيالات