هذا شعر يتفجر من القلب وليس مما يخرج من اللسان، من قلب رجل لابس حياة الفالح وشاهد حفاه وعريه، وصلى في محراب أحزانه وآلامه، واشترك في ضراعاته. وفي هذا الشعر ما ينبئ عن أن قائله إنما يصدر مخلصا عما يحسه، وليس عن هوى في زف الكلام الموزون الموشي، ومثل هذا الشعر ياسر القارئ وغريه بإعادة تلاوته، لا لجودة الحبكة في الصياغة ولا لطف التعبير ولكن لما يتمشى في جنبات الشعر من نفس حار يشع منه الصدق واليقين.
وفي الديوان ما يماثل هذا، ولكن في ألوان أخرى من المعاني والمناسبات، فلا عجب أن يجئ أكثر الشعر فيه، تارة زفرات وتنهدات، وأخرى ابتهالات وتمنيات، والشاعر في كل هذا فتى الريف، سليل حملة الفؤوس، وعروس شعره جنية من الريف لها خفر أهله، تطيف به وتهوم فوق رأسه في دلال المرأة اللعوب، أن اقبل عليها أدبرت، وان أغضى عنها أقبلت، كما وصفها الشاعر في قصيدته (تكلم أيها البحر).
ومحمود حسن إسماعيل قد عرفناه بهذا ولهذا في ديونه الأول (أغاني الكوخ) وهي قصائد يجري فيها الشعر جريان السيل الجارف، ويحمل من الريف غبار مساربه، وعبقة حقوله، كما يتنفس عن آلم الفلاح وسقم العامل، ويصف وصف المستبطن دخائل النفوس، من