الأسلوب هو طريقة الأداء، وهو من المعاني كالجسد من الروح. وإذا نظرنا في أسلوب علي محمود طه نجد عبارته منسجمة طلية وألفاظه في الغالب متخيرة، ودليله في الاختيار حسن وقعها في الأذن، وهذا نجده في معظم الكتاب، حتى في المواضع التي يخفى أو يغمض المعنى لانعدام الموسيقى على كل حال.
وفي اختيار الشاعر لأوزانه نراه يكثر من الخفيف والرمل. ونصف قصائد الكتاب من هذين البحرين، وهو أحياناً يكتب القصائد الطويلة على الطراز المألوف من قافية واحدة؛ واكثر الكتاب من هذا الطراز ولكنه - لحسن الحظ - قد أتى بقصائد ذات قواف متعددة، وهذه على ثلاثة أنواع؛
(١) في الأول منها تتغير القافية عدة مرار بلا قيد ولا شرط كما في قصيدة ميلاد الشاعر.
(٢) وفي الضرب الثاني تتغير القافية في كل أربع أبيات كما في (غرفة الشاعر) و (قبله) و (قبر شاعر) وترجمة (البحيرة) وقد نظم شعراء آخرون قصائد على هذا النظام الرباعي ولهذا يخيل لي أنه طراز طبيعي مستحسن. والمنتظر لهذا النوع أن ينتشر، ومن المستحسن جداً أن ينتشر.
(٣) أما النوع الثالث ومنه قصيدة (الله والشاعر). فان فيه كل بيتين على حدة؛ والمصراع الأول يتفق في القافية مع الثالث والثاني مع الرابع. وهذا الطراز منتشر أيضاً في الشعر الحديث.
وهذا النظام الجديد للقافية من الظاهرات التي نرحب بها في شعر شعرائنا المحدثين. فقد انقضى الزمن الذي يفتخر فيه الشعراء بطول النفس؛ وبأن الواحد منهم ينظم القصيدة في مائة أو مائتين بل مئات من الأبيات، لا يكرر فيها القافية. كان
هذا الفخر سخفاً لا طائل تحته. فليس نظم القصائد الطوال في قافية واحدة بالشيء العسير على من أراد أن يقيد المعنى بالقافية. وان يجعل الجسم كله متوقفا على شكل الذِّنب! وأكبر شعراء العربية لم يكونوا من المطيلين مثل أبي نواس، والمتنبي. ولم يخرج عن هذه القاعدة سوى ابن الرومي. الذي كان يكرر معانيه ويفصلها ويستقصيها فتطول قصائده تبعاً لذلك.
وليس من شك في أن تنويع القافية سيشق أمام شعرائنا طرقاً كانت مغلقة أمام المتقدمين،