إلى المدرسة ولذلك تنقصني الشجاعة لأقوم بمثل هذا العمل وحدي لجهلي بقيمته من ناحية، ولان حالتي المادية وحالتي الاجتماعية لا تساعدانني، ولخوفي من أن أحد يكتشف أمري فيرشد ولاة الأمر على من ناحية أخرى. وان القدر ساقني إليكم؛ فقد علمت من أهل الناحية أنكم - أنت ووالدك - أهل ثقة وكرم، ومروءة وشرف، فكن على ثقة يا سيدي من إنني لم أتحدث إلى أحد قبلك في هذا الشان وانه لا يعلم به الآن سوى ثلاثة: أنت، وأنا، ووالدتي.
انتصب فريد وافقا واخذ يذرع أرض الحجرة ذهابا وجيئة؛ فقد هجمت عليه جيوش جراره من الأفكار؛ ساوره أولا قليل من الشك لم يلبث أن تبدد وحل محله إيمان راسخ بكل ما قال بيرام حينما اقترب منه وألقى عليه نظرة جبارة لم يتأثر القروي منا، فاعتقد فريد إنما ما سمعه لم يكن حلما يزول بالاستيقاظ من النوم، ولا قصة اعمل الكاتب فيها خياله، ولا أكذوبة لفقها بيرم؛ فإن سذاجته وعدم تعلمه ومظهره العام وما يدل عليه من طيبة نفس، وسل أمة ضمير، ونقاء سريرة كل ذلك يباعد بينه وبين الكذب. لا شك أن هذه حقيقة واقعة وان الحظ قد ساقها ألي والحظ هو كل شئ في الدنيا. والآن نحن في حاجة إلى سرعة العمل، وحكمة الإرشاد وكتمان الخبر. ثم كف فريد عن المشي في الحجرة وتيار هذه الأفكار يدور في رأسه ونظر إلى القروي الذي كان يشم في اطمئنان عبير ورده كانت في يديه مما لا يجعل للشك اثر في نفس فريد، ولذلك قال له: أنت تعرف يا آخى أن مثل هذه الحكاية يجب إلا يطلع عليها أحد حتى لا يتسرب خبرها إلى أذن الحكومة فتتركك صفر اليدين لان الآثار ملك للدولة، وقد أحسنت صنعا بالمجيء إلى هنا فهذا عمل لا يستطيع امرؤ أن يقوم به وحده، أو هل تعتقد في نفسك القدرة على الاستفادة من هذه الكنوز من غير أن تستعين بأحد؟
- لو كان الأمر كذلك لما كلفت نفسي مشقة البحث عمن اطمئن إلى معونته.
- أؤكد لك - وأنا صادق - أن التوفيق قد حالفك حين اهتديت إلينا وإني أعاهدك عهد لا احنث فيه أن كل شئ نكسبه من هذه سنقسمه مناصفة وهذي يدي وعلى عهد الله وميثاقه وهو على كل ما نقول شهيد، فمد ليه بيرام يده وتعاقدا على ذلك، ثم اخذ فريد يقطع الحجرة ثانية ذهابا وإيابا تاركا العنان لأفكاره التي تضاربت وتعددت وتشعبت، فمن رحلات البلاد النائية، إلى مشروعات تجارية واسعة إلى تمرغ في أعطاف النعيم وتمتع بما لذ وطاب من