أما عبد الهادي شيخ الخفراء فهو رجل مديد القامة، شديد البأس، قوي مفتول، له وجه تشيع في قسماته الصرامة، وعينان ينبعث منهما التحدي والشر، كان فيما فرط من أيامه يقطع الطرق ويهدد السارينويسلب الناس، ولم يجد في القتل حرجاً ولا في السلب جناحاً، بل إنه ليعدها من مفاخره. وعبد الهادي يثبت نظرية لمبروزو في المجرمين فقد كان من القرويين الذين تغلب فيهم سيطرة الأجرام، ويتحكم في رجولتهم شر اسود في لون هذا الليل العاصف المدلهم، لم يكن يردعه قانون ولا دين، ولا يمنعه عقل ولا عاطفة، عُين شيخاً للخفراء فزاد عبثه وما زال يصل أسبابه بأصدقائه القدماء من اللصوص والقتلة، يغريهم بالناس ويدلهم على مواطن الصيد ويمهد لهم سبل الإفلات. . .
واتصلت جرائمه واضطرب الأمن في بلده والبلاد القريبة، والناس يعلون أن لعبد الهادي يداً في كل شيء، لكنهم امتون لايهمسون، لأن لعبد الهادي عيناً ترقب الثرثار، ولأن الناس يدفعون هذا الصمت ثمناً لأرواحهم وأموالهم إشفاقاً من انتقامه وهم يؤدون إليه ما يفرض عليهماغرين إذاً اختفت سوائمهمفترد إليهم من حيث يعلمون ولا يعلمون.
أما بيومي فقد قلب الأمر غير مرة وانتهت المعركة في نفسه أخيراً. . . وتغلبت على وساوسه نوازع الثقة في الله ودوافع الخوف من السرى في الظلام والبرد، وتعاونت هذه الأسباب كلها على أن تسوقه إلى بيت عبد الهادي ضيفاً. . .
طرق بيومي باب عبد الهادي في رفق ففتح له وأحسن استقباله وقدم إليه طعاماً وأعقبه بالشاي مثنى وثلاث، ثم سمر معه إلى وهن من الليل وتركه ليجول في البلاد جولة بعد أن أوصى به ابنه سالماً أن يهيئ له فراشه في المنظرة، سهر بيومي وسالم ما طاب لهما، وسمرا ما تشقق بينهما الحديث وشربا الشاي غير مرة، ودخنا كثيراً ثم ثقلت أجفانهما وفترت أعضاؤهما ولحقهما الخمول، وأحسا الحاجة إلى الراحة فقام كل منهما إلى فراشه، ونام بيومي بعد أن قرأ ما تيسر من القران وتوكل على الله وأسلم إليه وجهه.
وعاد عبد الهادي بعد ما انتصف الليل وقد طوعت له نفسه أمراً، وأحسب أن هذا الأمر قد اختصم في نفسه طويلاً مع الواجب، واحسب أن بقايا المروءة المتناثرة في زوايا قلبه قد تجمعت فانطلقت تقرع أذنيه في عنف واتصال. . .! ربما لم يسمع، وأكبر الظن انه سمع، ولكنه سخر من ضميره وضحك من هذا الخور الذي لم يألفه في أعصابه، اتجه إلى الباب