ففتحه ودار ببصره في الظلام والنجوم، ثم أرسل ضحكه مكبوتة كأنها في فحيح أفعى هائلة ثم انقلب إلى الداخل ثانية وأجمع رأيه قبل أن يبدله ما يرده إلى النكول أو التردد، حمل الذئب (بلطته) وتسلل إلى المنظرة فدخل ثم وقف وأنصت وتقدم إلى النائمفناوله ضربات متصلة قطعت ما بينه وبين العالم من أسباب الحياة.
اضطرب القتيل قليلاً ثم ساد السكون مرة أخرى. . .! وتحسس عبد الهادي جيب القتيل فلم يجد معه من المال قليلاً ولا كثيراً.
عرته الدهشة. .! أين اختفى المال الذي كان مع بيومي.؟ لاشك أنه حفظه في مكان ما في نفس المنظرة. . . ولم يتردد
عبد الهادي في أن يخفي أثر الجريمة أولاً. . . فلف الجثة وحزمها ثم حملهامطمئنا آمناً، لأن الشك ينحسر عنه وإن فاض حول جميع الناس. . شيخ الخفراء طبعا. .!! وللمرة الأولى أحس عبد الهادي رجفة تأخذ أعصابه وهماً مبهماً جائشاً يستبد بروحه ويضيق عليه أنفاسه، وثورةاخبة تصم أذنيه وتدور برأسه. . . لقد أخذه الندم! وأفاق ضميره ولكن متى. . .!؟ سمع عبد الهادي وقع حوافر الخيل تخب مسرعة وتناديه أن يقف. . إنهم العسس (الداورية)! غامت الدنيا في عينيه وملكه اليأس وأسقط في يده ولم يملك إلا أن يتطامن للقضاء الأعلى ويعنو لأرادة الله التي ترى كل شيء وتدبر كل شيء. . .! قاتل! وشيخ خفراء!! جريمة ذات شعبتين، قاده الجند إلى منزله أولاً وعلى كتفه ضحيته. . وحسر الجند اللفائف وتفرسوا في وجه القتيل وصرخ عبد الهادي وخرعقا. .!
لقد قتل ابنه خطأ. . .! واستيقظ بيومي فزعا فأدرك كل شيء، وأعلن أنه كان ينوي أن يبيت في المنظرة لولا أن سالما رأى أنها رطبة لا تلائم الضيف فنقله إلى غرفة أخرى وأخذ مكانه في المنظرة.!
وكان يوم الحكم فشرقت القاعة بالوفود ووقف القاتل في القفص يبكي في إطراق طويل وصمتاخب ومرارة ملتهبة وحسرة لجوج، وساد السكون فجأة لما ارتفعوت القاضي يدوي في القاعة قوياً جلياً هادئاً (أشغال شاقة مؤبدة).
وقاد الجند الرجل المحطم إلى قاعة النيابة في أعلى المحكمة وهو. لا يزال ينشج كالأطفال. . . وغافل الرجل المحطم الحراس وألقى بنفسه من أعلى المحكمة فهوى خليطاً