بالكون. والخطأ كل الخطأ أن ننتظر من البراهمة العوام أن يحدثونا حديثاً صحيحاً بفلسفة البراهمة كما فهمها تاجور، وكذلك الخطأ في انتظارنا أن نسمع حديث عوام الفرس بفلسفة الفرس القدماء كما ارتضاها زرادشت ومن شاورهم من حكماء فارس، وكان كيمستاسف سديد الرأي حين حرم تعليم العامة كتاب زرادشت. ومن أسباب نجاح المذهب الزرادشتي أنه كان ينزع إلى التفاؤل والإقبال على الحياة ويبشر العاملين فيها بالخير وهو في هذا وغيره بل في شخصيته إجمالاً يشبه شخصية تاجور شبهاً قوياً. ولا ريب عندنا في أنه بهذا التفاؤل كان بشيراً معبراً تعبيراً صادقاً عن الآمال القوية الطامحة التي كانت تثقل قلوب الفرس قي ذلك الحين، وانه كان ممهداً وصاحب فضل كبير على النهضة السياسية التي انتهت بقيام الملك الفارسي كورش الأكبر على تخليص الفرس من عبودية الميديين، ثمّ مد حدود الدولة الفارسية الناشئة إلى خليج البسفور، وهدم الدولة الليدية في آسيا الصغرى.
كان زرادشت بنهضته العقلية، بشيراَ وممهداً لهذه النهضة السياسية، فقد استطاع - وهو ينقح تعاليمهم القديمة - أن يحدد لهم طريق النجاح في الحياة ويدفعهم إلى حبها والكفاح فيها، ويركز آمالهم ومطالبهم منها، وربما كان ذلك أيضا سبباً من أسباب إقبال الملك كيستاسف المتطلع إلى المجد والسيطرة على الزرادشتية.
ولا ريب أن من أسباب نجاحه أنه عرف في تجوله خلال البقاع الفارسية ومراجعة أعلام الفكر فيها نفسية قومه والحالة التي كانوا عليها، والغاية التي يتوقون إليها، كما كان لانتسابه إلى أصل أرستقراطي أثر كبير في اتزان آرائه وذلك مما يسهل له حمل كيستاسف على مذهبه، ولا ريب أن مما ساعده على ذلك فهم كيستاسف حالة شعبه وما يتوق إليه وما يطيق وما لا يطيق من مذهبه، وكل أولئك مما ماز الزرادشتيين من غيرها من المذاهب التي بعدها على ما سنوضحه، فأنالها من الذيوع والثبات وإقبال الخاصة والعامة عليها ما لم ينل غيرها.