عليه القصة، أم أترك الظروف تتولى عني ذلك؟ وإن كنت على يقين أنه يستطيع أن يرشدني إلى ما يحسن عمله، كما يستطيع أن يعرف عهود تلك الآثار وقيمتها التاريخية؛ فهو أكثر مني ثقافة، وأطول تجربة، واعظم خبرة، وهو فوق ذلك مدرس نابه، وأديب ذائع الصيت؛ ولكن. . . . كم يكفيه من النقود للقيام بهذه المهمة؟ إنه يكاد يجب من فرط السرور عندما يقف على قيمة الكنوز المادية والتاريخية! على كل حال سأذهب إليه الساعة لأسرد له حكايتي، أنا في مسيس الحاجة إلى مخلص يأخذ بيدي إلى الطريق السوي، فهذا عمل شاق ومن غير المعقول أن أقوم به وحدي!
هذه هي بعض الخواطر التي كانت تمر بمخيلة فريد وهو يقطع الحجرة بعد أن غادره القروي على أن يعود إليه في المساء، ولم يقطع عليه سلسلة هذه الأفكار إلا دخول الكاتب يسأله عن رسائل اليوم وليستأذنه في الانصراف!
حرك فريد يديه حركة عصبية ولعن في نفسه المراسلات والمكاتبات، ثم إذن للكاتب أن ينصرف. ودعا الخادم وأمره أن يخبر الطاهي أن بعض الأصدقاء سيتناولون العشاء معه هنا في الساعة الخامسة، وأنه يود أن يكون الطعام فخما. وتناول عصاه وخرج ميمما صوب (الليسيه) ليقابل صديقه (محموداً) فقد وطد العزم على أن يستعين بنصائحه ويستفيد من إرشاداته. ولقد كانت السماء ملبدة بالغيوم، والمطر لا يكف عن الانهمار، والطريق بما تجمع فيه من ماء ووحل يتعب المارة ويلوث ملابسهم، ولكن فريداً كان عن كل ذلك في شغل، فهو لا يبالي، بل لا يشعر: أفي جفاف يمشي أم في وحل. فقد طرأت عليه فكرة سيطرت على كل حواسه وصرفته عن كل ما يحيط به، هذه الفكرة كانت في مبدئها فرضاً، ثم لم تلبث أن صارت في قوة الحقيقة الواقعة عنده، وهي لا يبعد أن تكون الأزيار مملوءة بنقود ذهبية قديمة، ثم غطيت بهذا الغبار حتى لا تمتد إليها يد عابثة. . . أربعة عشر زيراً. . . يالها من ثروة طائلة. . . سأهرِّب الأشياء ذات القيمة في أسرع وقت إلى الخارج، وسأضع النقود في بنوك سويسرا وإنجلترا، لأنها بنوك مضمونة. . . وإلى هنا كان قد وصل إلى المدرسة وعلم انه قد بقي عشر دقائق على خروج التلاميذ، فرأى أن ينتظر في الحديقة بعيدا عن الناس، وليخلو إلى نفسه ويواصل حديثها. وما إن أخذ موضعه منها حتى تساءل: ترى ما هي اللغة التي نقشت على اللوحات؟ أهي اللاتينية أم اليونانية