للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

السنوات ومرورها متشابهة متلاحقة، وجدت اليقين المفقود ووصلت إلى تسكين البال وراحته، وهما أعظم ما يمكن أن يصل الإنسان إليه إذا بقى اسمه منسياً. ومر عليّ هذا الزمن وهو مملوء بالحوادث أتفرج عليها وأقيدها وأتأمل فيها، وكان أكبر انتصار على النفس هو أن يردها صاحبها عن أن تقف في الصف الأول أو يقعدها عن أن تزج بنفسها في أمور لا يتسامى إليها إلا أولو العزم الشديد والعبقرية الفائقة.

ووصلت إلىشيء من ذلك بالمران حيناً وبالضغط أحياناً حتى وفقت لحد ما إلى تكييف حياتي، فلاءمت بينهما وبين عملي وتفكيري، وعودتها الرضا مع اليقظة والقناعة مع الانتباه، ولم يمض وقت طويل حتى تبين لي أن أعظم الأشياء والحوادث من سياسية واجتماعية والتي يراها الناس بمظهر الجد ويلقون عليها مسحة من الاهتمام، تفقد رونقها الجدي وأهميتها إذا نظرنا إليها بنظرة بعيدة عن الجد، وحللنا كل موقف وكل حركة على أنها إنسانية صرفة. وقد أتاحت لي الخدمة بالخارج معاينة الكثير من هذه المواقف فأصبحت بعض المسائل ذات الصف الأول مثاراً للضحك والسخرية لو عرف الناس حقيقتها الأولى.

إن اعتقاد الكثيرين من الناس أن لديهم مزايا خارقة للعادة، وغالبيتهم من الأذكياء كان سبباً في وقوعهم في أخطاء، من ذلك توهمهم أنه بوسعهم غش المجتمع الذي يعيشون فيه أو الضحك على لحى كل من يتصل بهم، والوصول إلى تغطية الحقائق وإنكارها مدة طويلة من الزمن. إن هؤلاء قابلتهم كثيراً في أوساط الأمم الشرقية فكانوا أول الضحايا لأطماعهم، وكانوا هم المخدوعين بأنفسهم حينما حاولوا خداع الناس وغشهم. وكانت هذه الأفكار تعاودني في وقت انتهيت فيه إلى الاكتفاء بما كنت عليه، إلى الاقتناع بأن كفايتي وعمل تجاربي وهذه هي كل رأس مالي، أقول قد أوصلتني بالطرق والأساليب التي أطمئن إليها للنقطة التي تركزت فيها، فلم أكن أفكر ولا أؤمل ولا أنتظر شيئاً من التغيير أو التبديل أو المزيد.

هذه كانت حالتي حينما دهمتني حركة من حركات السلك السياسي المصري، فإذا أنا بغير تحضير أو بذل مجهود أو رجاء، أنقل من بلاد اقتطعت سبع سنوات ونصفاً من عمري في دراستها وفهمها إلى بلاد جديدة أعلم عنها أشياء وأجهل عنها أشياء، وما أجهله أكثر مما

<<  <  ج:
ص:  >  >>