علينا أن ندرس بدلاً منها طبائع الكائنات الحية وأخلاق الناس وأحوال دول العالم؟ ويوجه ملتن سهاماً لاذعة إلى مدرسي المنطق والبلاغة، فهم يتكلمون كما يتكلم المتوحشون والأطفال، وإنه يراهم أقرب إلى العصافير منهم إلى الرجال. . .
ويعجب الطلاب من حمية هذا الفتى الذي عهدوه في مجالسهم وديعاً رقيق الحاشية، وتعجبهم حماسته وجرأته وصراحته وتمرده على القيود التي طال بها العهد؛ ولكن المدرسين ساخطون عليه ناقمون على ثورته، يرمونه بالغرور ويتهمونه بالشغب والعناد والعصيان، وقد شاع أمره فيهم حتى ضاقوا به ذرعاً من يعلمه منهم ومن لا يعلمه.
وأدى بالضرورة مسلكه هذا إلى الشحناء بينه وبين القائم على أمره من رجال الكلية وهو (شابل) فكان يحس أن الطالب جون ملتن يحتقره بنظراته، ولعله يراه متوحشاً أو طفلاً أو نوعاً من العصافير؛ ويرى أنه يخالف عن أمره، فلا يؤدي ما يطلب إليه أداؤه كتابة من دروسه، ولا يتقيد بما يرسم له من نظام في حياته اليومية؛ يريد أن ينصرف إلى ما يحب من قراءة، ويعلن إلى معلمه أنه لا يقتنع بجدوى تلك العلوم التي هي تراث العصر المدرسي، وأنه يأسف على فقدانه حريته التي نعم بها قبل التحاقه بالكلية؛ ويرى أنه كان يد في مدرسه سنت بول من العلم المجدي ما لم يجد مثله هنا، ومن الحرية ما لا يجد بعضه في الكلية، ومن عطف معلميه ومسايرتهم إياه إلى ما يحب ما لا يتمتع هنا بشيء منه.