والبلاغة والفلسفة المدرسية، واللغتين اللاتينية والإغريقية، وشئ من علوم الرياضة، وقليل من الفلك، وقدر يسير من التاريخ الروماني ومن عجب ألا يكون التاريخ الإنجليزي ولا الأدب الإنجليزي من مواد الدراسة، على أنه كان لمن يشاء أن يدرس هاتين المادتين أن يفعل ذلك إذا أبدى للكلية رغبته.
ولكن على الرغم من طابع العصور الوسطى، دبت في الكلية النهضة، فشاعت فيها رغبة الإصلاح والنهوض، وملأ جوانحها كفاح من أجل هذا الغرض؛ وكان دعاة الإصلاح يبتغون أن يصلحوا نواحي الحياة كلها، والتعليم والسياسة والدين والاجتماع؛ ففي التعليم رغب فريق أن تتخلص الكلية من بقية العصور الوسطى، وتعني في مناهجها ودراستها بما هو أقرب إلى روح العصر، وما هو أدنى إلى الإنسانية والحرية الفكرية؛ وفي السياسة تطلع المصلحون إلى إبراز حق الفرد والاعتراف بكيانه واحترام إرادته؛ وفي الدين قوي الميل إلى البيوريتانية والبروتستنتية؛ وإن كان ثمة خلاف قد دب بين الكلفنية والأرمينية، أعني بين عقيدة القدر المحتوم التي آمن بها كلفن، وبين عقيدة قبول التوبة وغفران الذنب التي نادى بها ألرمينيوس الهولندي سنة ١٦٠٣؛ وفي الاجتماع دعا المصلحون إلى الفضيلة وإلى محاربة الرذيلة، وظهر أثر ذلك في تشدد القائمين على أمر الطلبة ألا يسمحوا للفتيات اللائي يتعهدن حجرات نوم الطلاب بدخول تلك الحجرات إلا إذا غادرها أصحابها.
واستجاب ملتن لهذه النزعة الإصلاحية، فقد صادفت هوى في نفسه التي تعشق الحرية وتنزع إلى الاستغلال، وتعلقت بها روحه الوثابة الفتية؛ وبدأ بها أول شوط له في الدفاع عن حرية الفكر؛ ولكن ذلك أخذ يغضب عليه القائمين بالأمر إذ اتهموه بالتمرد والثورة إلا قليلاً منهم، وسبب له كراهة بعض أقرانه ممن لم يعجبه اعوجاجهم وإسفافهم وشراسة طباعهم.
لم يدع ملتن فرصة اجتماع إلا وقف يندد بالفلسفة المدرسية معلناً إنه لا يرى فيها أية فائدة، ولئن اقتصرت الكلية على هذا المنهج فلن يكون من ورائه جدوى. وراح ملتن يسخر من تلك الكتب التي تدرس في الكلية، والتي هي آثار أشياخ ضيقي الصدر من القساوسة تشتم فيها رائحة الحجرات الضيقة المظلمة التي كتبت فيها؛ ويتساءل: أليس أجدر بنا وأجدى