لما تسلم بنو العباس أزمة الحكم، لم يكن معنا ذلك استتباب الأحوال لهم، فقد أنقلب عليهم بنو عمهم العلويون الذين لولاهم لكان نجاح العباسيين ضئيلاً، وكان بجانب هؤلاء الخوارج والمعتزلة والزيدية وغيرها من الفرق الإسلامية، وكان الشيعة أعداء أقوياء الشكيمة، وإن كان ينقصهم التنظيم. ودب الضعف في الدولة العباسية، فانسلخ منها كثير من الولايات الخاضعة لها (فكان قيام دولة الأدارسة في مراكش (٧٨٨م) على يد إدريس بن عبد الله، والأغالبة في تونس (٨٠٠م) على يد إبراهيم بن الأغلب، ودولتي الطولونيين والإخشيديين في مصر. كان قيام هذه الأمارات خسارات فادحة للخلافة منيت بها في نواحيها الغربية، ولم يكن الشرق أوطد مركزاً من ذلك، فقد كان من أثر السياسة التي سلكها الخليفة المأمون أن ظهرت في فارس وبلاد ما وراء النهر روح قومية عظيمة، كان من نتائجها قيام دويلات مثل الصفراوية (٨٦٧ - ٩٠٣م) والسامانية (٨٧٤ - ٩٩٩م) كما نشأ من الأخيرة الغزنويون، لأن البتجين مؤسس هذه الأسرة الأخيرة كان مملوكاً تركياً في البلاط الساماني، كما أن سلطان آل بويه قد شل قوة الخلفاء وألزمهم قصورهم) ومع أن هذه الدول اعترفت بالسلطان الديني للخليفة إلا أن هذا الاعتراف كان اسمياً. ويذكر السيد أمير علي أن هذا الاعتراف كان لإكساب هاتيك الدول قوة ظاهرة، وحتى تعتبر كل ثورة ضدها ثورة غير شرعية.
لكن متى بدأ الضعف في الدولة؟
التاريخ سلسلة متصلة الحلقات، ومعنى لا نستطيع أن نحده. ولو فعلنا ذلك، كان اعتمادنا عادة على الظواهر العامة البارزة التي يمتاز بها عهد من عهد.
وقد ذهب الأستاذ نيكلسون إلى تقسيم الخلافة العباسية قسمين: أحدهما عهد القوة، ويبدأ باعتلائها العرش حتى حكم الواثق وهو قرن من الزمان. أما عهد التدهور، فيبدأ بالمتوكل (٨٤٧ - ٨٩١م)، ويمتاز بأنه عهد انحطاط سريع أعقبه سقوط هائل خابت كل الوسائل في علاجه. أما أبو المحاسن فيذهب إلى أن تدهور الخلافة بدأ باعتلاء المستكفي عام ٩٠٢م. وربما كانت علة هذا التدهور أيضاً سعة الأقطار التي كانت تحت إمرة الخلافة العباسية، إذ كانت دولاً كبيرة متعددة لا يربطها بها غير دفعها الجزية.
والملاحظ في الدولة العباسية أن السلطة - أيام قوتها - كانت في يد الخليفة، أما حيث بدأ