للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أبك جنون؟ كيف تتفق معه هذا الاتفاق؟ ولكن لا بأس! فسأعرف كيف أرضيه. إن مائتين من الجنيهات نفرغها في جيبه - بعد أن ننقل من الكهف كلشيء - مبلغ لن يحلم به ولن يقدر أنه سيحصل عليه. فقال فريد: وماذا نعطي محموداً؟

إنك قد أدخلت محموداً في هذا الموضوع من غير داع، وهذا خطأ كبير، فلنترك له تماثيل الأحجار، واللوحات المكتوبة وليذهب بنفسه ليأخذها بعد أن ننتهي من بيع الأشياء الأخرى

قد يكون ثمن التماثيل واللوحات أكثر من ثمن تلك الأشياء؟

إن ذلك هو الواقع! ولكن من المستحيل تهريبها خارج القطر، ثم إن الحكومة ستعلم - إن عاجلاً وإن آجلاً - بشأنها وتستولي عليها، والمهم أن ننجو نحن بما نريد.

مكث التاجر مع ابنه طويلاً يتحدث إليه في هذه المسألة وكان كل هم الوالد أن يؤسس لهما تجارة جديدة في (تيرانا) وفي العاصمة الثانية (دورس) أكبر مواني ألبانيا. ولكن (فريداً) كان غير مرتاح لهذا الرأي فكان إذا أبداه والده اعتصم بالصمت، وقد كان من رأيه أن التوسعة في التجارة لا فائدة منها ما دامت لديهم هذه الكثرة من النقود. . . ثم إن (السيد عفت) أوى إلى فراشه وترك ابنه في انتظار (بيرام) فقام (فريد) إلى الموقد - وكانت ناره قد خبت - فأشعله، وجلس بجانبه يتصفح جريدة صباحية؛ إذ لم يكن إلى هذا الوقت قد استطلع الأخبار؛ ولكنه عجز أن يحصر انتباهه في الجريدة فقد كان بعيداً بعقله عنها وعن كل ما حوت. وإن عينيه لم تغادرا السطر الأول؛ فقد احتلت اقتراحات محمود بؤرة شعوره، وسيطرت على تفكيره؛ فرأى نفسه على رأس معهدين كبيرين ومشى وراء خياله في تلك الشوارع الواسعة التي ضمت المؤسسات الخيرية التي أنشأها، وتحدث كرئيس أعلى لتلك المؤسسات إلى كبير الأطباء، ومديري المعاهد، وأمناء دار الكتب، وإلى المؤلفين، وإلى غيرهم من الموظفين الذين يأتمرون بأمره؛ فكانوا جميعاً يحوطونه بهالة من الإكبار والإجلال، كسباً لعطفه، واغتناماً لمودته، ثم طار في عالم اللذات فرأى أن المؤسسات تحت رعاية طبية لا تحتاج إلى الكثير من الرعاية، وأن في استطاعته أن يقوم بسياحات واسعة في أوربا، وأمريكا، وأفريقية، ليمتع نفسه تمتع من يملك مثل ثروته. وإنه لفي هذه الأحلام اللذيذة وإذا بأجراس الكنيسة تعلن انتصاف الليل فتدق اثنتي عشرة مرة، فاهتز جسمه، واضطرب قلبه، وأرهفت حواسه، وانقطعت سلسلة أفكاره؛ فقد اقترب موعد

<<  <  ج:
ص:  >  >>