الدستور أطال الله عمره وأعز نصره! أما محاربة الجهل والفقر والمرض، فجهاد لا يثبت له ولا يصبر عليه إلا أولوا العزم من المجاهدين المخلصين المضحين الذين يعملون ليرضى الله، ويشقون ليسعد الناس، ويموتون ليحيى الوطن!
على أن الزعيم الحكيم يستطيع أن يدرك من وراء السياسة والحكم رضا قلبه ورضا شعبه ورضا ربه إذا تأبّى على المطامع، وتعالى عن الشهوات، ووجّه قوى الحكومة والأمة كلها إلى هذا الجهاد المقدس. إنه إن أحسن التنبيه وأخلص التوجيه وأحكم القيادة، أبلى بلاء الرسل دون أن يتصدى لمخاطر الرسالة، وجوزي جزاء الملوك دون يتعرض لمكاره المُلك، فأجناده يضحون وهو يعيّد، وقواده يحاربون وهو ينتصر، وأنداده يفنون وهو يخلد!
ليت شعري هل كان يفكر في ذلك صاحب الدولة رئيس الحكومة
القائمة حين قطع العزم على أن يكون برنامجه في الحكم مفاوضة
الاحتلال في مصر والسودان على الجلاء، ومجاهدة الجهل والفقر
والمرض حتى الفناء؟!
نعم، طوى برنامجه السياسي على هذين المطلبين، ثم أخذ يهيأ لهما الأسباب ويرصد الأهب، فألف وفد المفاوضة من رجالات السياسة، وفي الوقت عينه ألف مجلساً أعلى لشؤون الطبقات الفقيرة من وزراء المعارف والشؤون والصحة والزراعة والتجارة، وجعل لنفسه الرياسة في الوفد المفاوض وفي المجلس الأعلى، ثم بدأ العمل في الميدانين على السواء. والذي يعنينا اليوم ذكره أن هذا المجلس الأعلى قرر القيام بطائفة من اضخم المشروعات الثقافية والاقتصادية والصحية، تحقق العدالة الاجتماعية، وترفع مستوى العيش لجمهور الشعب وهو صلب المجتمع وأداة إنتاجه وعدة دفاعه؛ ورأى تنفيذاً لتلك الأعمال الخطيرة أن يعقد لها قرضاً وطنياً بخمسين مليون جنيه يثمّر فيه عفو المال وفضلات الرزق فتجدي على صاحبها مرتين: مرة في نفسه، وأخرى في جنسه!
من تلك المشروعات العتيدة ما يعالج الجهل كإصلاح التعليم الإلزامي، ومحو الأمية فيمن شبوا عن الطوق وجاوزوا حد الإلزام. ومنها ما يعالج الفقر والمرض كتقسيم القطر إلى وحدات اجتماعية عامة، تنقسم كل منها إلى عشرة آلاف وحدة، تتمثل في كل وحدة جميع