الوزارات المشتركة في هذا المجلس الأعلى فتكون سفيراً بين الحكومة والفلاح، وصلة بين العلم والزراعة، ورسولاً من الطب إلى المرضى، ووسيطاً بين التاجر والمنتج، وبرزخاً بين الناس والمعرفة؛ وتلك هي الأعمال التي أنشئت لها وزارة الشؤون فلم تستطع النهوض بها، ولم تصارح الناس بالعجز عنها؛ وظلت تعمل على هامش الحكومة: تصدر المجلة، وتعلن الموالد، وتسجل النقابات، وتزور المساجين، وتستقبل العمال، وتأخذ شيئاً من كل شيء، ولا تؤثر أبدا في أي شيء! وكان من وسائلها المرجوة لو رزقت ملكة الابتكار، أن تدبر المال والرجال بمثل ما يدبره اليوم رئيس الحكومة فتذلل العقبة التي وقفت دونها خائرة حائرة لا تعرف لأمرها قِبلة ولا دِبرة.
لقد عبأ رئيس الوزراء قوى الحكومة والشعب لمحاربة أعدائنا الأربعة، وليس في الأمة اليوم كما يقول شبابها ويردد كهولها من يضن بماله ونفسه على هذه الحرب، فهل آن لمصر السادرة في الخلاف والغي أن تدرك سر النهوض، وتعرف حقيقة الإصلاح، وتعلم أن الأمة لا تكون متمدنة إلا إذا امحت هذه الفروق المخيفة بين الخاصة والعامة، وبين المدينة والقرية؟ إنك ترى الفقير القروي في جسمه الضاوي وثوبه الخلق وجهله المطبق، ثم ترى الغني الحضري وعليه زهرة العيش ونضرة الصحة ونور العلم، فلا تصدق أن هذين الرجلين يرامهما وطن واحد، وترعاهما حكومة واحدة!
إن معرة الاحتلال العسكري تصيب المحتل في شرفه وضميره، لأنه يبرره بضعفنا ويؤيده بقوته؛ ولكن معرة الانحلال الفكري والجسدي والاجتماعي تصيب الشعب في كرامته ودينه، لأنه يرضاه وهو قادر على الإفلات من رقبته.
لذلك كنا أحياء أن نفكر بعض التفكير في عاقبة هذه الأمور؛ فأن الوزارة الصدقية محدودة الأجل بنتيجة المفاوضات، فإذا أخفقت مفاوضة الاحتلال، أو مال ميزان الانتخابات إلى الشمال، اعتزلت الوزارة الحكم لا محالة. وإذن يحق لنا أن نتساءل عن مصير العملين العظيمين اللذين بدأهما صدقي باشا؛ فأما المفاوضات السياسية فسيستأنفها وفد يتلوه وفد إلى أن يرث الله الجزر البريطانية ومن عليها، لأن هذا النوع من الجهاد كلام ونحن نجيده، وسلام ونحن نريده. وأما هذه الهبة الإصلاحية فأغلب الظن ألاَّ تستمر، لأنها بناء ونحن نحب الهدم، وعناء ونحن نؤثر الراحة، ومجد ونحن نكره أن يكون لغيرنا الإكرام! والله