تلك أقاصيص موزعة مفرقة أوقعتني الصدف عليها في مواضع متعددة، وهي تكشف الطريق لنا لبحث نفسية كافور، فهذا رجل وصل إلى درجة من أعلى درجات عصره وكانت تهابه الدنيا، فانظر إلى تواضعه وخجله، وإلى نفسه الهادئة المطمئنة، وقس على ذلك فقاقيع الرجال ممن نلقاهم كل يوم، وهم لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم من الأمر شيئاً تراهم يخفون ضعفهم بالتظاهر بالقوة، وجهلهم بتعاليهم على الناس، وهم في مشيتهم وغطرستهم وحديثهم وما يبدو في وجوههم مضحكة ومهزأة للعصر الذي نعيش فيه وللعصور القادمة: بسم الله الرحمن الرحيم (يا أيها الناس، ضرب مثل فاستمعوا له، إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً، ولو اجتمعوا له، وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه. ضعف الطالب والمطلوب) صدق الله العظيم.
وفي ذي القعدة سنة ٣٦٢ هـ، وهي السنة التي قدم فيها المعز لدين الله إلى القاهرة من بلاد المغرب، ركب لكسر خليج القنطرة، فكسر بين يديه، ثم سار على شاطئ النيل حتى بلغ إلى بني وائل، ومر على سطح الجرف في موكب عظيم، وخلفه وجوه أهل الدولة، ومعهم أبو جعفر أحمد بن نصر يسير في ركابه، ويعرفه بالمواضع التي يجتاز عليها، وتجمعت الرعية للدعاء له، ثم عطف على بركة الحبش، ثم على الصحراء، وسار على الخندق الذي حفره القائد جوهر، ومر على قبر كافور، وعلى قبر ابن طباطبا الحسني، ثم عاد إلى قصره.
عثرت على هذا النص عرضاً، فوقفت مندهشاً أمام النصوص التي تقول: بأن تابوت كافور نقل إلى القدس ودفن بها وكتب على قبره:
ما بال قبرك يا كافور منفرداً ... بصحصح الموت بعد العسكر اللجب؟
يدوس قبرك آحاد الرجال وقد ... كانت أسود الثرى تخشاك في الكتب
ودخلت بحراً يموج بالمسائل، وكلها تحتاج لتحقيق، وسنرى ما يكون من أمرها.