للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ابن طباطبا ولا يزال قبره يزار بقرافة الإمام الشافعي: (أنه كان طاهراً كريماً فاضلاً صاحب ضياع ونعمة ظاهرة وعبيد وحاشية؛ وكان يرسل لكافور في كل يومين جامين حلوى ورغيفاً في منديل مختوم، فحسده بعض الأعيان وقال لكافور (الحلو حسن فما لهذا الرغيف فأنه لا يحسن أن يقابلك به) فأرسل إليه كافور يعتذر عن قبول الرغيف، فركب الشريف إليه وعلم أنهم قد دسوا عليه، فلما اجتمع به قال له: (أيّدك الله إنا لا ننفذ الرغيف تطاولاً وتعاظماً، وإنما هي صبية حسنية تعجنه بيدها وتخبزه فنرسله إليك على سبيل التبرّك، فإن كرهته قطعناه) فقال كافور: (لا والله لا تقطعه ولا يكون قوتي سواه).

وكان محدثي قوياً لا يلين، فيه عنجهية من بقايا القرون التي سبقت الإسلام والرسالة المحمدية، فهو مصر على التفرقة بين الناس حسب ألوانهم كما قسم هتلر الناس وصنف الشعوب أصنافاً، فقلت له إن ابن زولاق، وهو حجة في الموضوع، قد اعترف لكافور فقال: (إنه كان ديِّناً كريماً)، فانظر ما نقله صاحب الكواكب السيارة في ترتيب الزيارة عن ابن المجلي في تأريخه، إذ قال:

حدثني أبو الحسن البغدادي قال: (وردت إلى مصر وأنا مع أبي وكنت دون البلوغ في أيام كافور الإخشيدي، وكان أبو بكر المجلي يتولى نفقة كافور ومصالحه وخواص خدمته، فانتسجت بينه وبين أبي مودة، فكان يأتي إلى أبي ويزوره، فجلس في بعض الأيام يتحدث ويتذاكر أخبار كافور، فقال أبو بكر لأبي وأنا أسمع: إن هذا الأستاذ كافور له في كل عيد أضحى عادة، وهو إنه سلّم إليّ بغلاً محملاً ذهباً وورقاً وأمضى مع صاحب الشرطة ونطوف من بعد العشاء إلى آخر الليل حتى أسلم ذلك لكل من أجد أسمه في تلك الجريدة فأطرق أبوابهم وأقول لهم هذا من عند أبي المسك كافور.

وقال أبو جعفر مسلم بن عبد الله بن طاهر العلوي النسابة: ما رأيت أكرم من كافور: كنت أسايره يوماً وهو في موكب نظيف يريد النزهة وبين يديه عدة جنائب، فوقعت مقرعته من يده، ولم يرها، فنزلت عن دابتي وأخذتها من الأرض، فقال: أيها الشريف أعوذ بالله من بلوغ الغاية، ما ظننت أن الزمان يلفّني حتى تفعل أنت هذا معي، وكاد يبكي. . . فقلت: أنا صنيعة الأستاذ ووليه. فلما بلغ داره ودّعني. ولما سرت ألتفت، فإذا بالجنائب والبغال كلها خلفي. فقلت: ما هذا؟ قالوا: أمر الأستاذ أن يحمل مركبه إليك بجنائبه. فأدخلته داري،

<<  <  ج:
ص:  >  >>