إمام الغَزِلين عمر بن أبي ربيعة، ويروي شعره؟ وأن الحسن البصري كان يستشهد في مجلس وعظه، بقول الشاعر:
اليوم عندك دَلها وحديثها ... وغداً لغيرك كفها والمعصم
وأن سعيد بن المسبب سمع مغنياً يغني:
تضوّع مسكاً بطن نعمان إن مشت ... به زينب في نسوة خفوات
فضرب برجله وقال: هذا والله مما يلذ استماعه، ثم قال:
وليست كأخرى أوسعت جيب درعها ... وأبدت بنان الكف للجمرات
وعلّت بنان المسك وحْفاً ... على مثل بدر لاح في الظلمات
وقامت ترائي يوم جمع فافتنت ... برؤيتها من راح من عرفات
فكانوا يرَون هذا الشعر لسعيد بن المسبب!
ومالي أدور وأسوق لك الأخبار، وعندنا شعراء كان شعرهم أرق من النسيم إذ اسرى، وأصفى من شعاع القمر، وأعذب من مال الوصال، وهم كانوا أئمة الدين وأعلام الهدى.
هذا عروة بن أذينة الفقيه المحدث شيخ الإمام مالك يقول:
إن التي زعمت فؤادك ملها ... خُلقت هواك كما خلقت هوى لها
فبك الذي زعمت بها وكلاكما ... يبدي لصاحبه الصبابة كلها
ويبيت بين جوانحي حبٌّ لها ... لو كان تحت فراشها لأقلها
ولعمرها لو كان حبك فوقها ... يوماً وقد ضَحيَت إذن لأظلها
وإذا وجدت لها وساوس سلوة ... شفع الفؤاد إلى الضمير فسلها
بيضاء باكرها النعيم فصاغها ... بلباقة فأدقها وأجلها
منعت تحيتها فقلت لصاحبي ... ما كان أكثرها لنا وأقلها!
فدنا، فقال لعلها معذورة ... من أجل رقبتها، فقلت: لعلها!
هذه الأبيات التي بلغ من إعجاب الناس بها أن أبا السائب المخزومي لما سمعها حلف أنه لا يأكل بها طعاماً إلى الليل!
وهو القائل، وهذا من أروع الشعر وأحلاه، وهذا شعر شاعر لم ينطق بالشعر تقليداً، وإنما قال عن شعور، ونطق عن حب، فما يخفى كلام المحبين: