قالت (وأبثثتها وجدي فبحت به): ... قد كنت عندي تحب الستر، فاستتر
ألست تبصر من حولي؟ فقلت لها: ... غطى هواك وما ألقى على بصري
هذا الشاعر الفقيه الذي أوقد الحب في قلبه ناراً لا يطفئها إلا الوصال:
إذا وجدت أوار الحر في كبدي ... عمدت نحو سقاء الماء أبترد
هبني بردت ببرد الماء ظاهره ... فمن لحر على الأحشاء يتقد؟!
وهذا عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، أحد فقهاء المدينة السبعة الذين انتهى إليهم العلم، وكان عمر بن عبد العزيز يقول في خلافته: لَمجلس بن عبيد الله لو كان حياً أحب إليّ من الدنيا وما فيها. وإني لأشتري ليلة من ليالي عبيد الله بألف دينار من بيت المال، فقالوا: يا أمير المؤمنين، تقول هذا مع شدة تحريك وشدة تحفظك؟ قال: أين يُذهب بكم؟ والله إني لأعود برأيه ونصيحته ومشورته على بيت المال بألوف وألوف. وكان الزهري يقول: سمعت من العلم شيئاً كثيراً، فظننت أني اكتفيت حتى لقيت عبيد الله فإذا ليس في يدي شيء!
وهو مع ذلك الشاعر الغزِل الذي يقول:
شققت القلب ثم ذررت فيه ... هواك فليم فالتام الفُطور
تغلغل حب عثمة في فؤادي ... فباديه مع الخافي يسير
تغلغل حيث لم يبلغ شراب ... ولا حزن ولم يبلغ سرور
أفسمعت بأعمق من هذا الحب وأعلق منه بالقلب؟ ولم يكن يخفي ما في قلبه، بل كان إذ القيه ابن المسيب فسأله: أأنت الفقيه الشاعر؟ يقول: (لا بد للمصدور من أن ينفث) فلا ينكر عليه ابن المسيب. هو القائل:
كتمت الهوى حتى أضر بك الكتم ... ولامك أقوام ولومهم ظلم
نم عليك الكاشحون وقبلهم ... عليك الهوى وقد نم لو نفع النم
وزادك إغراء بها طول بخلها ... عليك وأبلى لحم أعظمك الهم
فأصبحت كالنهدى إذ مات حسرة ... على أثر هند أو كمن سقى السم
ألا من لنفس لا تموت فينقضي شقاها ولا تحيا حياة لها طعم
تجنبت إتيان الحبيب تأثما ... ألا إن هجران الحبيب هو الإثم