فانتقض يوزيك في سريره وانتصب واقفاً وهو يحدق النظر ب (الأميرة) المشردة، وكان ينتابه عاملان خفيان: عامل الكره للروس، وعامل الحاجة إلى المعونة. يود أن يصرخ في وجه (سليلة) آل رومانوف، ويسمعها قارص الكلام في حق أبيها وعمها والحاشية القيصرية كلها، لكنه أحس أنه أصبح من مساكين هذا الدير، وهو في مسيس الحاجة إلى من يساعده ويواسيه، وعليه أن يكون سمحاً متواضعاً، فخرج إلى حيث تقف السيدة المسكوبية، وقرع قدمه اليمنى بقدمه اليسرى، وحياها بإصبعيه التحية العسكرية البولونية، ثم انحنى على يدها وطبع عليها قبلة رشيقة!
وتوالت الزيارات فيما بعد بين يوزيك وأولجا، فكانت هي تدعوه إلى شرب الشاي عندها، وكان هو يشتري لها بعض الهدايا من المعاش الذي يتقاضاه من الوكالة البولونية. وهكذا توطدت أواصر الصداقة فيما بينهما، وشعرا بالدفء إلى جانب بعضهما. . . وفي ليلة كانا يتبادلان فيها أنخاب الفودكا، فاتحها يوزيك بالزواج، فأسبلت عينيها خجلاً وتمتعت قائلة: (حقاً إنك لعفريت يا يوزيك. . . أيتزوج عملاق لم يبلغ الأربعين من امرأة ضعيفة قد ناهزت الخمسين؟!
قال: ولم لا؟ الحب يا سيدتي لا يقر بحد للأعمار، ولا يعترف بالسمن أو الهزل. . . الحب هو تبادل العاطفة المشبوبة بين نفسين متجانستين متفاهمتين. . .
قالت: أتحبني إذن؟
قال: فلتشهد السماء على حبي لك. . . ولنشرب نخب الحب والزواج. . .
ولم تمضي أيام على هذا الحديث حتى عرف كل من في الدير أن أولجا أصبحت زوجة ليوزيك، وأنهما سعيدان في زواجهما هذا. ومن مظاهر هذه السعادة أنهما كانا دائماً منطويان على نفسيهما في غرفة أولغا، يشربان الشاي نهاراً، والفودكا ليلاً، ويدخنان ويتماجنان ويقهقهان عالياً، ويعربدان أحياناً بصورة تقلق راحة الجيران، إلا أن هؤلاء كانوا يتسامحون مع العروسين الجديدين، ويغضون الطرف عما يبديانه في الدير من طيش ناتج عن انفعالات النفس والعاطفة. . .
وحدث في منتصف الليلة الثانية من الشهر الثاني لزواج يوزيك باولغا أن هبّ سكان الدير