وفي وضع هذه الخطة وانفاذها لابد لنا من أن نربي العلماء الذين يتولون العلم ببحوثهم الأصيلة. ولست في حاجة الى إقامة الدليل على أن العلم قوة، وينبغي أن نطلبه ولو في الصين. فليس ثمة ناحية من نواحي حياة الفرد او المجتمع لم يتغلغل فيها العلم فرفع من شأنها وأصلح من أمرها: الزراعة والصناعة والغذاء والصحة والمواصلات والمخاطبات. وكثير مما أنجبه العلماء في سائر بلاد الناس، يصلح لنا فيصح أن نتعمق فيه ونتدرب عليه ثم نتخذه في ما يصلح له من شؤننا. ولكننا نجد في بيئتنا مشكلات خاصة، لا يصلح لبحثها أو حلها إلا علماؤنا. وهم ماضون في ذلك بحمد الله، ولكن عددهم يجب أن يزداد أضعافاً. وتأييدهم من الحكومة والشعب يجب أن يستفيض في الميزانية، وعلى ألسنة الناس وفي مجالسهم وصحفهم، وصلتهم بالصناعة المصرية ينبغي أن تتوثق. وحبذا لو طالع القراء الكتب السنوية التي أصدرها المجمع المصري للثقافة العلمية - وهذا المجمع الذي كان الدكتور شوشة أحد مؤسسيه، ثم احد رؤسائه - إذن لوجدوا في مئات من الصفحات، في خمسة عشر مجلداً نفسياً أو تزيد، عشرات من المسائل القومية في الزراعة والصناعة وتوليد الطاقة، وحفظ التربة، وكفاح المرض، وتجويد الغذاء وتحسين الصحة العامة لا يصلح لبحثها وحلها إلا الاكفاء من المصريين، الذين جرى على حب البلاد والسعب في عروقهم، وتدربوا على البحث العلمي الأصيل. وما خبرية الدكتور شوشة وسم العقرب، ومرشحات الماء في المنازل الريفية والقرى الصغيرة والمتوسطة الذي أخرجها منذ سنوات، سوى مثلين وحسب.
أما تبسيط العلم وتقريب معانيه البعيدة، وبث روحه العالية في جماعات الناس التي لم تظفر لسبب من الأسباب بالقسط الذي تتوق إليه منه، فقد أصبح لزاماً في هذا العصر الذي اتسع فيه نطاق المعرفة اتساعاً لا عهد لنا بمثله في عصر سابق من عصور التاريخ. فكل علم من العلوم القديمة قد نما واتسع نطاقاً وتشعب فروعاً، فتولدت منه علوم جديدة كل منها أدق من سابقه معنى وأشد عناية بالتفاصيل، فهو لذلك أشق على الحصر والإحاطة به. فقد كشف المنظار عن كواكب ونظم منظومة من النجوم والسدم يتعذر على عقل واحد أن يلم بها جميعاً، وأصبح رجال الجيولوجيا يذكرون ألوف الملايين من السنين على حين كان رجال العصور السابقة لا يذكرون إلا الألوف، وأماط علم الطبيعة اللثام عن كون منتظم في