للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقت، ولكن لم يمتد بهن الخيال أبعد من أن نجاحه في عمله المدرسي وتمتعه بثقة أصدقائه هو الذي يضفي عليه ثوب هذا السرور دائماً.

إن الإنسان ليضيق به المكان، ولا يستطيع الاستقرار فيه إذ اأفعمه الفرح، وكذلك كان محمود؛ فقد استحال عليه أن يقنع نفسه بالبقاء في المنزل، بعد أن فرغت أمه وأخواته من عشائهن، وانصرفن لبعض الشئون، فغادر البيت وليس له مقصد معين. ولما كان الوقت قريباً من شهر رمضان: والناس جادون في الاستعداد له، فإن المحال التجارية والمقاهي كانت تعمل إلى وقت متأخر من الليل، فراق لمحمود أن يذهب إلى المقهى ثانية يقضى فيه شطراً من هذا الليل، وقدر أنه سيتلاقى - حتما - مع فريد، فإنه لن يستطيع الصبر على الانتظار في البيت، ولكنه أخطأ التقدير، فلم يجد إلا شقيق التحية وقال: ما دمت قد حضرت فلن أكون وحدي. ثم جلسا متقابلين ونظر محمود إلى شفيق وقال وهو يبتسم: إن ملامح وجهك، ونبرات صوتك، تدلنا على تغير طرأ عليك فماذا بك يا شفيق؟

- لاشيء! وكيف أتغير؟

- لا أدري! ولكنك لست كما أنت في كل يوم.

- إن الإنسان لا يدوم على حال واحدة، وتلك سنة الطبيعة وناموس الوجود. وعسى الله أن يأتي بالفرح. وعندما نطق شفيق بهذه العبارة اجتهد أن يملك زمام نظرات محمود النفاذة إلى القلوب. ولكن محمودا وقد أراد التسلية، وقتل الوقت، فقد أمطر شفيقا وابلا من الأسئلة؛ فقال له: ألست من أصدقائك، ومن حقي أن أعرف ما حل بك؛ فقد أستطيع أن أمد لك يد المساعدة؟

- لم يحل بي مكروه، والحمد لله. ثم لماذا تسألني هذا السؤال؟

لأني رأيتك هذا اليوم في الطريق مهموما، وآية ذلك أنك لم تحينا. فتحرك شفيق في كرسيه في حركة عصبية وقال في شئ من الغضب: ذلك لأن لدي أشغالا هامة، فليس صديقك فريد هو المشغول وحده.

- ولماذا تقحم فريداً في الكلام وهو ليس معنا.

- إنه متكبر، يدل بثراء والده، ويضع نفسه في غير موضعها، وأولى له أن يطرح هذا جانباً وإنني أمقته لذلك.

<<  <  ج:
ص:  >  >>