جماعة فهموا الحياة فهما آخر فكان وقتهم موزعا بين الرقص والغناء وغيرهما مما يشيع البهجة والسرور في النفس، ويمسح عن القلب ما يكون قد علق به مما يباعد بينه وبين الانشراح.
وقد طوى الزمن هؤلاء وأولئك فأصبحوا تاريخا يسرد وبقيت وحدي تذكاراً لذلك الماضي البعيد. . .
المهد في زاوية من زوايا الكهف يتحدث في صلف عن أولئك الملوك الذين تأرجحوا فيه أطفالا وداعبوا فيه صغارهم حكاما كباراً، وهم معقد رجاء الأمة، وملتقى آمال الشعب.
دارت كل هذه الخواطر في رأس محمود فباعدت بينه وبين النوم إلى أن طلعت الشمس، فهب من سريره واستبدل ملابسه وأسرع إلى منزل فريد، وكله شوق إلى رؤية ما استحضره بيرام من العينات.
ولكنه لما دخل على فريد، ورأى الألم والحزن مرتسمين على صفحة وجهه، والقلق والاضطراب في حركاته وسكناته قال له: ماذا بك؟ ألم يأت بيرام بعد؟
- لقد انتظرته إلى طلوع الشمس. لكنه لم يأت.
- كيف ذلك؟ أتراه كان يهزأ بنا؟
- لا أدري! وإني متعب جداً ولم أذق طعم الراحة طيلة الليل وأود أن أستريح فأذن لي، فخرج محمود وترك فريداً يستعد للنوم. ولما كان في الطريق غير بعيد عن منزل فريد رأى السيد لطفي يذهب ويجئ - في طول الشارع وعرضه - كأنه يراقب من في المنزل، أو كأنه على موعد مع أحد، فعجب من وجوده هذا الوقت المبكر في هذا المكان، الذي ليس لأحد فيه صلة به، ثم في سرعة البرق تذكر ما دار بينه وبين شفيق في الليلة المنصرمة، وبدأ يتسرب الشك إلى قلبه، وكان قد حاذاه، فحياه تحيه الصباح، فرد لطفي تحيته في صوت مضطرب خافت، وبدا عليه شئ من الارتباك، فقد كان يود ألا يراه أحد من أصدقائه في وقفته تلك. أما محمود فقد أسرع في طريقه إلى المدرسة شارد التفكير، حائر اللب، يود أن يعرف لماذا تأخير بيرام؟ ولماذا وقف لطفي أمام منزل فريد بالذات في هذه الساعة المبكرة وقد أحس في نفسه شعوراً قويا بأن شفيقا وصديقه لطفي إنما يقومان معا بعمل مشترك، وليس بعيداً أن يكونا قد أوقعا بيراما في الشرك. ولقد طغى هذا الشعور