لو كنت ساعة بيننا ما بيننا ... ورأيت كيف نكرر التوديعا
لعلمت أن من الدموع محدثا ... وعلمت أن من الحديث دموعا
والبيت الثاني من مراقصات الشعر.
وكان مع ذلك علامة من الفقه والتفسير والحديث ومن فقهاء الشافعية الكبار، وهو صاحب الرسالة التي يعتدها الصوفية ككتاب سيبويه عند النحويين، ولا ينصرف الإطلاق إلا لها، ومن شعره:
ومن كان في طول الهوى ذاق لذة ... فإني من ليلى لها غير ذائق
وأكثر شيء نلته من وصلها ... أماني لم تصدق كخطفة بارق
ومن شعر القاضي عبد الوهاب المالكي الفقيه المشهور المتوفى سنه ٤٢٢ والمدفون في قرافة مصر، وصاحب الخبر المستفيض لما خرج من بغداد وخرج أهلها لوداعه وهم يبكون ويعولون وهو يقول: والله يا أهل بغداد، لو وجدت عندكم رغيفاً كل يوم ما فارقتكم. ويقول:
سلام على بغداد في كل موطن ... وحق لها مني سلام مضاعف
فو الله ما فارقتها عن قلي لها ... وإني بشطي جانبيها لعارف
ولكنها ضاقت علي بأسرها ... ولم تكن الأرزاق فيها تساعف
وكانت كخل كنت أهوى دنوه ... وأخلاقه تنأى به وتخالف
ويقول فيها:
بغداد دار لأهل المال طيبة ... وللمفاليس دار الضنك والضيق
ظللت حيران أمشي في أزقتها ... كأنني مصحف في بيت زنديق
وهو معنى جيد وتشبيه عجيب.
وهو القائل:
متى يصل العطاش إلى ارتواءه ... إذا استقت البحار من الركايا
ومن يثني الأصاغر عن مراد ... وقد جلس الأكابر في الزوايا
وإن ترفع الوضعاء يوما ... على الرفعاء من إحدى الرزايا
إذا استوت الأسافل والأعالي ... فقد طابت منادمة المنايا