ومن غزله الذي يتغزل فيه بلغة الفقه والقضاء، فيأتي فيه بالمرقص المطرب قوله:
ونائمة قبلتها فتنبهت ... وقالت تعالوا واطلبوا اللص بالحد
فقلت لها أني (فديتك) غاصب ... وما حكموا في غاصب بسوى الرد
خذيها وكفا عن أثيم ظلامة ... وإن أنت لم ترضي فألفاً على العد
فقالت قصاص يشهد العقل أنه ... على كبد الجاني ألذ من الشهد
فباتت يميني وهيِ هميان خصرها! ... وباتت يساري وهي واسطة العقد
فقالت ألمك تخبر بأنك زاهد؟ ... فقلت: بلى ما زلت أزهد في الزهد
وهاك القاضي الجرجاني مؤلف (الوساطة) علي بن عبد العزيز الفقيه الشافعي، الذي ذكره الشيرازي في طبقات الفقهاء، صاحب الأبيات المعلمة المشهورة:
يقولون: لي فيك انقباض، وإنما ... رأوا رجلا عن موقف الذل أحجما
أرى الناس من دانهم هان عندهم ... ومن أكرمته عزة النفس أكرما
وما كل برق لاح لي يستفزني ... ولا كل من لاقيت أرضاه منعما
وإني إذا ما فاتني الأمر لم أبت ... أقلب طرفي إثره متذمما
ولكنه أن جاء عفواً قبلته ... وإن لم أتبعه لولا وربما
وأقبض خطوي عن أمور كثيرة ... إذا لم أنلها وافر العرض مكرما
وأكرم نفسي أن أضحك عابساً ... وأن أتلقى بالمديح مذمما
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ... ولو عظموه في النفوس لعظما
ولكن أهانوه فهان ودنسوا ... محياه بالأطماع حتى تجهما
أأشقى به غرسا وأجنيه ذلة؟ ... إذن فاتباع الجهل قد كان احزما
ويا ليت كل عام ينقش هذه الأبيات في صدر محرابه، وعلى صفحة قلبه، ويجعلها دستوره في حياته، وإمامه في خلائقه!.
والأبيات الأخرى:
وقالوا: توصل بالخضوع إلى الغنى ... وما علموا أن الخضوع هو الفقر
وبيني وبين المال شيئان حرما ... عليَّ الغنى: نفسي الأبية والدهر
ذا قيل هذا اليسر أبصرت دونه ... مواقف خير من وقفي بها العسر