وله في هذا المعنى الشعر الكثير الجيد، أما غزله فسهل حلو منه قوله:
مالي ومالك يا فراق ... أبداً رحيل وانطلاق
يا نفس موتي بعدهم ... فكذا يكون الاشتياق
وقوله:
قد برح الحب بمشتاقك ... فأوله أحسن أخلاقك
لا تجفه وارع له حقه ... فإنه آخر عشاقك
وهاك القاضي سوار (الأصغر) بن عبد الله من القرن الثالث الذي يقول:
سلبت عظامي لحمها فتركتها ... عوارى في أجلادها تتكسر
وأخيلة منها مخها فكأنها ... أنابيب في أجوافها الريح تصفر
إذا سمعت باسم الفراق ترعدت ... مفاصلها من هول ما تتحذر
خذي بيدي ثم اكشفي الثوب فانظري ... بلى جسدي لكنني أتستر!
وليس الذي يجري من العين ماءها ... ولكنها روح تذوب فتقطر
وهاك قاضي القضاة ابن خلكان المشهور، وكان يعشق الملك المسعود بن المظفر، وكان قد تيمه حبه، قال القاضي التبرزي: كنت عنده في العادلية (دار المجمع العلمي اليوم) في بعض الليالي، فلما انصرف الناس من عنده قال لي: نم أنت هاهنا. وألقى علي فروة، وقام يدور حول البركة، ويكرر هذين البيتين إلى أن أصبحنا فتوضأنا وصلينا، والبيتان هما:
أنا والله هالك ... آيس من سلامتي
أو أرى القامة التي ... قد أقامت قيامتي
ولما فشا أمره، منع الملك انه من الركوب، فاشتد ذلك على ابن خلكان، فكان مما قال:
أن لم تجودوا بالوصال تعطفاً ... ورأيتم هجري وفرط تجنبي
لا تمنعوا عيني القريحة أن ترى ... يوم الخميس جمالكم في الموكب
لو كنت تعلم يا حبيبي ما الذي ... ألقاه من كمد إذا لم تركب
لرحمتني ورثيت لي من حالة ... لولاك لم يك حملها من مذهبي
ومن البلية والرزية أنني ... أقضي ولا تدري الذي قد حل بي
قسما بوجهك وهو بدر طالع ... وبليل طرتك التي كالغيهب