ولما كان اشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود، لأنهم بزعمهم شعب الله المختار فلا يعترفون لأحد من غيرهم بفضل، ولا يقرون لنبي بعد موسى برسالة، فإن رجالهم وأحبارهم لم يجدوا بعد أن غلبوا إلى أمرهم، وأخرجوا من ديارهم ألا أن يستعينوا بالمكر ويتغلبوا بالدهاء ليصلوا إلى ما يبتغون. وهداهم المكر اليهودي إلى أن يتظاهروا بالإسلام ويطووا نفوسهم على غيره حتى يخفى كيدهم ويجوز على الناس مكرهم. وكان أقوى هؤلاء الدهاة (كعب الأحبار ووهب بن منبه وعبد الله بن سبأ) فاستعانوا بإسلامهم واسندوا بين المسلمين مظهرين عبادتهم وتقواهم. ولما وجدوا أن حيلهم قد راجت وأن المسلمين قد اغتروا بهم وسكنوا إليهم، جعلوا أول همهم أن يضربوا المسلمين في صميم دينهم فيدسون فيه ما يريدون من أساطير وخرافات وأوهام لكي يهي هذا الدين ويضعف. ولكي يحكم هؤلاء الدهاة أمرهم كانوا يزعمون تارة أن هذه المفتريات من كتابهم ويدعون أخرى أنها من مكنون علمهم، وما هي في الحقيقة إلا من مفترياتهم، وأنى للصحابة أن يفطنوا لتمييز الصدق من الكذب من كلامهم، وهم من ناحية لا يعرفون العبرانية وهي لغة كتبهم، ومن جهة أخرى فإنهم لا يجارونهم في دهائهم ومكرهم. وبذلك كان الصحابة ومن تبعهم يأخذون كل ما يبثه هؤلاء الدهاة بغير بحث ولا نقد معتبرين أنه صحيح لا ريب فيه.
وأنا نلم هنا بطرف صغير من تأريخ زعيم هؤلاء الدهاة وشيخهم وهو (كعب الأحبار) وهو الذي نسوق من أجله هذا الحديث.
كعب الأحبار:
هو كعب بن ماتع الحميري من آل ذي رعين، وقيل من ذي الكلاع - من اليمن - كان من أحبار اليهود وعرف بكعب الأحبار، أسلم على عهد عمر علي الراجح وسكن المدينة في خلافة عمر وتحول إلى الشام في زمن عثمان فسكنها ومات بحمص سنة ٣٤هـ.
وقد استصفاه معاوية وجعله من مستشاريه لكثرة علمه كما كانوا يقولون عنه أو كما زعم هو في قوله (ما من الأرض شبر إلا مكتوب في التوراة التي أنزل الله على موسى، ما يكون عليه وما يخرج منه إلى يوم القيامة!!!)
وقد أغتر به الصحابة ومن بعده فرووا عنه وسمعوا منه، وكان أكثر من روى عنه من